الصراع على كاراباخ

04:24 صباحا
قراءة دقيقتين
يونس السيد

عودة الصراع على إقليم ناجورنو كاراباخ تثير الكثير من الأسئلة والتساؤلات، ليس فقط حول الأسباب والمسببات، وإنما الأهداف والمصالح الكامنة وراء إعادة إحياء هذا الصراع القديم الجديد والجهات التي تقف خلفه، خصوصاً في هذا التوقيت بالذات، حيث لا يزال العالم منشغلاً باحتواء جائحة كورونا، ويسعى لاحتواء الصراعات المتفجرة في الساحة الدولية.

وعلى عكس رغبة المجتمع الدولي والنداءات التي تطلقها الأمم المتحدة لإطفاء بؤر الصراعات والحروب، يفاجأ العالم بعودة اشتعال القتال في هذا الإقليم الذي لا تتجاوز مساحته خمسة آلاف كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكانه نحو 150 ألفاً، 94 % منهم من الأرمن، وقرر الانفصال عن أذربيجان في أوائل تسعينات القرن الماضي، ليعلن جمهورية مستقلة لم يعترف بها أحد، لكنه الآن يضع أرمينيا وأذربيجان على شفا حرب جديدة.

وكي لا نعود طويلاً إلى الوراء، وإنما للتذكير فإن هذا الصراع يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأحداث الكبرى، حيث بدأ قبل نحو قرن من الزمان مع تداعيات الحرب العالمية الأولى وانهيار الإمبراطورية العثمانية، وولادة الاتحاد السوفييتي، ثم اجتياحه لمنطقة القوقاز، ليعود هذا الصراع إلى الواجهة مع انهيار الاتحاد السوفييتي مطلع تسعينات القرن الماضي واندلاع حرب ضروس بين أرمينيا وأذربيجان انتهت بتوقيع اتفاقية برعاية حلف «الناتو» عام 1994.

اليوم يتجدد الصراع حول الإقليم ببصمات تركية واضحة، إن لم نقل بتخطيط تركي متعمد، سرعان ما كشفه نقل مرتزقة أنقرة من سوريا إلى ميدان القتال منذ اللحظة الأولى، وغني عن القول إن تركيا التي تتمتع بعلاقات تاريخية مع أذربيجان باعتبارها وريثاً للإمبراطورية العثمانية، سارعت ليس فقط إلى إعلان دعمها المطلق إلى باكو وإنما إلى دعوة الأرمن للتمرد ضد حكومتهم في يريفان، وكأن أنقرة المتهمة بارتكاب مذابح جماعية ضد الأرمن إبان الحرب العالمية الأولى ستجد آذاناً صاغية لدى هؤلاء.

ولكن لماذا تريد أنقرة تفجير الصراع في هذه المنطقة القوقازية التي تحظى بأهمية حيوية واهتمام كبيرين لدى الشرق والغرب؟ من الواضح أن التخبط التركي في المنطقة من سوريا والعراق إلى ليبيا وشرق المتوسط، يدفعها إلى البحث عن مواقع أخرى للضغط على أوروبا وأمريكا في الغرب وحتى على روسيا في الشرق، بهدف المقايضة. فهي تدرك مثلاً حاجة الأوروبيين إلى الغاز وإمداداته عبر خط أنابيب يمر من أذربيجان وصولاً إلى اليونان، وهنا تصبح أذربيجان ورقة ضغط جديدة بدلاً من ورقة المهاجرين التي سقطت ولم تعد مجدية، كما أن المنطقة تعني الكثير للولايات المتحدة وحلف «الناتو» لقربها من حدود روسيا وإيران، بينما بالمقابل، يمكن أن تستخدم هذه المنطقة كورقة للمقايضة مع روسيا عوضاً عن الاحتكاك في سوريا وليبيا وتعطيل المخططات التركية فيهما، في حين تجد موسكو نفسها في وضع حرج كونها تتمتع بعلاقات جيدة مع كل الأطراف، لكنها تدرك أن التعقيدات وتشابك المصالح في هذه المنطقة سيدفعها لاتخاذ موقف في نهاية المطاف.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"