هل انتهت المعارك في سوريا؟

03:24 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. نورهان الشيخ *

في حديث له مع «قناة العربية»، يوم 21 سبتمبر/أيلول، أشار وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، إلى أن «المواجهة انتهت بين الحكومة والمعارضة في سوريا»، مما أثار تساؤلات عدة حول تطورات الأوضاع في سوريا، ودلالات تصريحاته، خاصة أنها جاءت بعد تعليق موسكو الدوريات الروسية التركية المشتركة على طريق «M4» الدولي في سوريا؛ بسبب هجمات الإرهابيين المتزايدة في المنطقة، وفق بيان وزارة الدفاع الروسية.
لعل الدلالة الأولى التي يحملها تصريح لافروف؛ هي مضي روسيا قدماً في فصل المعارضة السورية عن الإرهابيين؛ وهو المطلب الذي طالما ألحت عليه موسكو، وطالبت به أنقرة في حين لم تستطع الأخيرة تحقيقه، فقصده لافروف بالمعارضة؛ هي تلك الموجودة في درعا في الجنوب، والتي وصلت إلى تفاهمات بالفعل مع النظام السوري، وفي ريف حمص الشمالي، وفي الشمال الشرقي؛ ممثلة في قوات سوريا الديمقراطية (قسد). ففي كل هذه الجبهات انتهت المواجهة العسكرية بين النظام والمعارضة المسلحة، أما هيئة تحرير الشام؛ (جبهة النصرة سابقاً) في الشمال الغربي بإدلب، فهؤلاء يعدون إرهابيين من وجهة النظر الروسية، يتعين تصفيتهم، والقضاء عليهم كشرط أساسي لوقف الضربات عليهم، ما يعني أن المعارك ستظل قائمة فى المنطقة إلى حين التخلص التام من الإرهابيين، وتحرير إدلب من قبضتهم.


الالتزامات التركية


يرتبط ذلك بالدلالة الثانية؛ والمتعلقة بتعثر اتفاق موسكو، أو «البرتوكول الإضافي للمذكرة حول إرساء الاستقرار في منطقة إدلب لخفض التصعيد والمؤرخة بيوم 17 سبتمبر/أيلول 2018»، بين روسيا وتركيا بشأن إدلب، والذي تم توقيعه في ختام قمة الرئيس بوتين وأردوغان يوم 5 مارس/ آذار 2020. وتضمن ضرورة فصل المعارضة السورية عن الإرهابيين، ووقف كل الأعمال القتالية على خط التماس القائم في منطقة إدلب؛ لخفض التصعيد اعتباراً من يوم 6 مارس/آذار، وإنشاء ممر آمن عرضه 6 كيلومترات شمالاً، و6 كيلومترات جنوباً من الطريق «M4»، ليتم تنسيق المعايير الدقيقة لعمل الممر الآمن عبر قنوات الاتصال بين وزارتي الدفاع للاتحاد الروسي والجمهورية التركية في غضون 7 أيام، وبدء الدوريات الروسية التركية المشتركة يوم 15 مارس/آذار على طول الطريق «M4»، من بلدة ترنبة الواقعة على بعد كيلومترين من مدينة سراقب ووصولاً إلى بلدة عين الحور.
لقد وُلد الاتفاق متعثراً؛ حيث جاء في أعقاب تصعيد شديد بين الجانبين، وصل حد تحريك قطع من البحرية الروسية يوم 28 فبراير/شباط تضمنت فرقاطتين حربيتين، مجهزتين بصواريخ كروز موجهة من طراز «كاليبر» إلى البحر المتوسط باتجاه الساحل السوري، ما دفع إلى مفاوضات صعبة بين الرئيسين الروسي والتركي استمرت ست ساعات، سبقتها مفاوضات أصعب بين وفود من البلدين في موسكو وأنقرة. وفشلت أول دورية روسية تركية مشتركة تم تسييرها يوم 15 مارس وفقاً للاتفاق، وتوعد الإرهابيون باستهداف الدوريات الروسية، التي لم تستأنف عملها إلا يوم 22 يوليو/ تموز، وتم تنفيذ 24 دورية كان آخرها يوم 12 أغسطس/آب، وتم تعليقها مرة أخرى في 14 أغسطس؛ وذلك في سياق تصعيدي من جانب تركيا؛ حيث أظهرت التطورات الميدانية في إدلب؛ أن الجانب التركي قد حشد في المنطقة أكثر من عشرين ألف عنصر، إضافة إلى آلاف الآليات وعدد من وحدات الدفاع الجوي، ما يعني أن أي تفجر للوضع في إدلب لن تسمح خلاله تركيا بتقدم قوات النظام السوري أكثر ضمن المناطق التي تنشر قواتها فيها، وربما تحاول التقدم؛ لاستعادة المناطق التي سيطر عليها النظام.


اتفاق مع الأكراد


أما الدلالة الثالثة فهي انتقال قيادة الملف السوري من وزارة الدفاع الروسية التي هيمنت عليه منذ عام 2011 إلى وزارة الخارجية الروسية، وبدأ فصل جديد في التطورات السورية يكون التركيز فيه على إطلاق الحوار بين النظام السوري والمعارضة، والدفع باللجنة الدستورية؛ تمهيداً لإجراء الانتخابات الرئاسية العام المقبل. وقد جاءت زيارة لافروف بعد نجاح الوساطة الروسية بين وفدي حزب الإرادة الشعبية ومجلس سوريا الديمقراطية «مسد» في موسكو؛ حيث وقع الكيانان اتفاقية تفاهم مشتركة بين قدري جميل زعيم الحزب وإلهام أحمد رئيسة المجلس أقرت مركزية القرار السوري في شؤون الدفاع والخارجية والاقتصاد في دمشق، واعتراف «مسد» بأن تكون قوات سوريا الديمقراطية «قسد» جزءاً من الجيش السوري، وهو تطور بالغ الأهمية وخطوة نحو لم الشمل السوري.
على صعيد آخر، تدفع موسكو تركيا نحو الدخول في مفاوضات مباشرة مع سوريا؛ لتكون هناك تسوية ما؛ تتضمن حلاً للمناطق التي تحتلها تركيا، والعودة إلى اتفاق أضنة أو تعديله، على النحو الذي يفضي في النهاية إلى الانسحاب التركي الكامل من الأراضي السورية.


العملية السياسية والإعمار


لقد اتسعت الأولويات الروسية في سوريا، ومع استمرار أولوية القضاء نهائياً على الإرهاب بها، تقدم الحوار السياسي وجهود إعادة الإعمار؛ لتشغيل حيز أكبر من ذي قبل. وقد اعتبر البعض زيارة لافروف إطلاق صافرة البدء للعملية السياسية ولعمليات إعادة الإعمار في سوريا، وكسر الحصار الاقتصادي الأمريكي على سوريا بفرض «قانون قيصر» وغيره من العقوبات الأمريكية؛ وذلك من خلال 40 اتفاقية للتعاون الاقتصادي في مختلف المجالات، تم توقيعها خلال الزيارة.
المعارك ستستمر في سوريا، وستتركز على الأرجح في إدلب، متوازية مع إطلاق العملية السياسية وإعادة تطبيع وضع النظام السوري؛ من خلال الانتخابات الرئاسية، إلى جانب الدفع بإعادة الإعمار وإعادة توطين السوريين.

* باحثة وأكاديمية مصرية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"