هل النظام الانتخابي الأمريكي ديمقراطي؟

03:34 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.غسان العزي

في عام 2012 غرد دونالد ترامب على «تويتر» قائلاً إن «المجمع الانتخابي كارثة على الديمقراطية»، ظناً منه أن المرشح الجمهوري، ميت رومني، سوف يفوز على باراك أوباما في التصويت الشعبي قبل أن يخسر في المجمع الانتخابي، وبالتالي الانتخابات الرئاسية. لكن رومني هزم وقتها في الاثنين معاً. ولم يكن ترامب يدري أنه هو نفسه سوف يستفيد من هذه «الكارثة على الديمقراطية» التي أتاحت له الوصول إلى البيت الأبيض بفضل 304 ناخبين كبار في مقابل 227 لهيلاري كلينتون التي تفوقت عليه بثلاثة ملايين صوت شعبي. وقبل ذلك، في العام 2000 تحديداً، تفوق المرشح الديمقراطي آل جور، على جورج بوش الابن، بخمسمئة ألف صوت، لكنه هزم بسبب المجمع الانتخابي.

هذا النظام الانتخابي الذي يتجاهل ملايين الأصوات، ويوصل إلى السلطة من لم يستحوذ على الأغلبية الشعبية، هل يمكن وصفه بالديمقراطي؟ وما سبب تميز هذا النظام عن نظرائه في الدول الديمقراطية؟

في عودة إلى الجذور، فإن الآباء المؤسسين عندما وضعوا المادة الثانية من الدستور الأمريكي حرصوا على إقامة توازن بين الولايات الكبرى، والصغرى، بحيث تتمثل كل ولاية في مجلس النواب بحسب عدد سكانها، في حين أنها تتساوى في مجلس الشيوخ بممثلين اثنين، بمعزل عن وزنها الديموجرافي.

النظام الانتخابي أراد تحقيق هذا التوازن نفسه: لكل ولاية ممثلان في المجمع الانتخابي، يضاف إليهما عدد من الممثلين بحسب عدد سكانها. على سبيل المثال تستحوذ كاليفورنيا على 55 ممثلاً، أو ناخباً كبيراً، (2 زائداً 53)، والولايات الأصغر على 3 (2 زائداً 1). والناخبون الأمريكيون يقترعون ل538 ناخباً كبيراً يجتمعون لانتخاب الرئيس ونائبه يوم الاثنين الذي يلي ثاني أربعاء، من شهر ديسمبر/ كانون الأول، في عاصمة كل ولاية.

هذا النظام الفريد من نوعه تسبب بمشاكل كثيرة، لكن تغييره يتطلب تعديلاً دستورياً يبقى صعب المنال، رغم أن الأغلبية الشعبية (54%) تفضل الاقتراع الشعبي المباشر، بحسب استطلاع للرأي أجرته «بيزنس انسايدر» في عام 2019. فالمشكلة أن الاقتراع المباشر يؤدي إلى محو المسافة الفيدرالية للنظام الأمريكي عبر منح السلطة التنفيذية المركزية دوراً متنامياً.

والدعوات للإصلاح، وهي كثيرة جداً، لا حظوظ لها، لأنه ينبغي تعديل الدستور من قبل ثلثي أعضاء الكونجرس وأن يبرم هذا التعديل ثلاثة أرباع الولايات، والتي لن تتخلى عن سلطات يمنحها إياها الدستور الحالي. ومنذ بداية القرن التاسع عشر كان هناك نحو 900 محاولة لإصلاح المجمع الانتخابي، أو تعديله، من دون جدوى. وفي ربيع العام المنصرم وقع عدد من المرشحين الديمقراطيين على عريضة تطالب بتبني الاقتراع المباشر، وليس عبر الولايات، كذلك تقدم عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين بمشروع لإلغاء المجمع الديمقراطي، من دون جدوى. وهناك أيضاً محاولة جارية لإصلاح النظام الانتخابي من دون تعديل الدستور أطلقتها في عام 2016 مجموعة من المثقفين والسياسيين، وافقت عليها خمس عشرة ولاية، منها واشنطن دي سي، تقترح أن تعود أصوات ناخبيها الكبار إلى المرشح الذي يحصل على أغلبية الأصوات على المستوى الوطني، وليس مستوى الولاية. ولكن لا تزال تنقص موافقة عدد آخر من الولايات حتى يبصر هذا المقترح النور.

ممارسة أخرى تزيد من تعقد النظام الانتخابي، وهي موضع انتقاد دائم، هي مبدأ «الرابح يحصد كل شيء» السائد منذ عام 1820، رغم عدم ذكره في الدستور. وهو يطبق في 48 ولاية من أصل خمسين، حيث يحصل من يفور بأغلبية أصوات المقترعين على كل أصوات الناخبين الكبار في الولاية. وهكذا، مثلاً فإن الذي يحصل على 50,1% من أصوات المقترعين في الولاية يحصد بذلك 100% من أصوات ناخبيها الكبار. هكذا تمكن ترامب في عام 2016 من الحصول على كل أصوات الناخبين الكبار ال16 في ولاية ميشيجن بتقدمه بنسبة 0,3% فقط على هيلاري كلينتون، علماً بأن عدد المقترعين وقتها بلغ 4,7 مليون صوت.

فقط ولايتان هما نبراسكا، ومين، بقيتا خارج هذا «السيستم»، لكن كل منهما لا تملك سوى ثلاثة ناخبين كبار، ما يحد كثيراً من تأثيرهما.

هذا النظام يمكن إصلاحه بقليل من الإرادة والاتفاق، حتى أن أبا الدستور الأمريكي الرئيس جيمس ماديسون دعا إلى إلغائه في عام 1823 معتبراً أنه لا يعكس حقيقة التنوع السياسي للناخبين، ما حدا بالرئيس الأسبق كارتر إلى القول في عام 2001: «بعد 200 سنة سوف يكون لدينا هذا المجمع الانتخابي». فالنظام الانتخابي الأمريكي يخلق جمهورية، وليس ديمقراطية، بالضرورة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"