عادي

جوزيف كونراد..أفضل أجنبي كتب بالإنجليزية

02:53 صباحا
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

بعد أكثر من قرن من نشر رواية «قلب الظلام»، تحولت إلى واحدة من أهم الروايات الأدبية الكلاسيكية، وأصبح كاتبها جوزيف كونراد أحد أبرز الروائيين الذين كتبوا باللغة الإنجليزية، وزادت أهميتها وشهرته على مر السنين، في الوقت الذي طويت فيه صفحة روائيين كانوا أكثر منه شهرة، لكن هناك أسباباً وراء ذلك، منها منح جائزة نوبل إلى ف.س. نايبول، الذي كانت تقارن أعماله بأعمال جوزيف كونراد، وكان مثله لاجئاً إلى بريطانيا، ويمكن تلمس أثر كونراد في نايبول حين نقرأ كتابه «عودة إيفا براون» حيث يفرد نايبول فصلاً للحديث عن كونراد بعنوان «ظلام كونراد».

الأهم من ذلك أن نايبول يشترك مع كونراد في أن أعماله هو أيضاً كانت هدفاً لقراءات مفكري مدرسة «ما بعد الكولونيالية» في الأدب، وذلك بسبب تركيز أعمالهما على الجراح العميقة، التي تركها الاستعمار في البلدان المستعمرة، كانت النصوص الأولى من هذا الأدب نتاج كتاب يمثلون القوة الإمبريالية، وذلك من خلال اللغة التي تكون في العادة لغة المستعمر، ومثل هذه النصوص لا تشكل أساساً لثقافة محلية أصيلة، كما أنه من غير الممكن اعتبارها جزءاً من ثقافة المستعمرات، حتى لو كانت ذات مستوى رفيع مثل نصوص كبلنج، الذي كتب عن الهند بروح استعلائية عنصرية، وكانت أعمال كونراد عن تلك المستعمرات من منظور مختلف تماماً، بل إنه بدا نقيضاً له في كثير من الجوانب.

مدخل للفهم

يرى كثيرون أن المدخل إلى فهم أدب كونراد يكون عبر أدب روائيين إنجليزيين آخرين هما كبلنج وهنري جيمس فهو يشترك مع الأول في كونهما عايشا ممارسات المستعمر الأبيض في مستعمراته البعيدة، ويشترك مع الثاني في كونهما أول من أرسيا دعائم الرواية الإنجليزية الحديثة، باعتبارها فناً لا يقل شأناً عن الشعر والمسرح، كما أن سطوع المثال الإنساني في روايات كونراد هو المدخل إلى كونه فناناً عظيماً، معادياً للنهب والاستغلال والتدمير، وقد قال مرة بعد رحلته إلى الكونغو التي قام بها عام 1895: «قبل رحلة الكونغو لم أكن أكثر من حيوان» ففي تلك الرحلة رأى حقيقة اللقاء بين الحضارتين البيضاء والسوداء.

جاء كشف كونراد لحقيقة الاستعمار عبر موقفه الأخلاقي المغلف بتجربة ذاتية، حزينة قوامها اليتم والتشتت وعدم الاستقرار، يقول: «ذلك الجو الأخلاقي والعقلي للبيوت التي أوت طفولتي المجازفة، كان متصفاً بنظرة حيادية للبشرية بكل درجات روعتها وبؤسها، مع تقدير خاص لحقوق المحرومين على الأرض، ليس على أساس غيبي، بل على أساس الزمالة البسيطة والتبادل المشرف للخدمات» هكذا يطرح كونراد تصوره للبشرية، بكلمات أميل إلى السذاجة.

عندما كان صغيراً في بولندا نظر كونراد إلى خريطة العالم، وأشار بإصبعه إلى الكونغو بوسط إفريقيا وقال: «عندما أكبر سأذهب إلى هنا»، وفي عام 1889 كان يتولى إمرة زورق بخاري في نهر الكونغو، وكانت الكونغو آنذاك مسرحاً للنهب الاستعماري، وبعد ذلك بعشرة أعوام انتهى من تسجيل أحداث تلك الرحلة في واحدة من أعظم رواياته «قلب الظلام» وبعد عودته عانى أزمة نفسية وروحية عميقة، كان سببها ما شهده من وحشية ورعب وبشاعة، لقد عاد من رحلة الألف ميل نحو قلب الكونغو، وهو يحمل في قلبه المحطم ذكرى القوة التدميرية لعنف ووحشية الرجل الأبيض، تجاه المواطنين السود، ويذكر في كتاب وضعه عن تلك الرحلة، نشر تحت عنوان «أيام كونغولية»: «أشعر بأن حياتي بين هؤلاء البيض لن تكون مريحة، وسأحاول أن أتجنب التعرف إليهم بقدر ما أستطيع».

كلمات قليلة

عندما نزل القبطان البولندي جوزيف كونراد إلى الشاطئ الإنجليزي عام 1878 لم تكن حصيلته من اللغة الإنجليزية، تزيد على بضع كلمات، وبعد ذلك بثمانية عشر عاماً كانت روايته الأولى، بتلك اللغة، في طريقها إلى المطابع، ومنذ ذلك التاريخ حتى وفاته، قلما مر عام دون أن يصدر له رواية أو كتاب.

في عام 1857 ولد كونراد في إحدى المدن، التي تقع ضمن حدود أوكرانيا، وكان والده شاعراً وطنياً، نفته السلطات القيصرية، وبعد ما توفي الوالد تبعته الوالدة، فانتقل كونراد للعيش في كنف خاله، ثم غادر إلى بولندا، ثم إلى مارسيليا، ليبدأ حياة البحر، التي شكلت خلفية معظم أعماله الأدبية فيما بعد، وعندما مات في عام 1924 نشرت الصحف نعيه «كأفضل أجنبي كتب باللغة الإنجليزية» التي ظل ينطقها بلكنة أجنبية واضحة، حتى آخر سنوات حياته.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"