أمريكا بعد الثالث من نوفمبر

02:33 صباحا
قراءة 3 دقائق
عبدالله السناوي

بعدد السنين فهناك ستة عقود كاملة تفصل أول مناظرة تلفزيونية رئاسية أمريكية عام 1960 عن آخر مناظرة مماثلة 2020. في المرتين، بدت أمريكا عند مفترق طرق.

في الأولى، كان سؤالها الرئيسي: كيف تدير فوائض القوة والنفوذ، التي حصدتها بعد الحرب العالمية الثانية ودفعت بها إلى موقع القوة العظمى الأولى في العالم؟

كان الاختيار بين رجلين ومنهجين ونظرتين مختلفتين لدولة توفرت لها موارد عسكرية واقتصادية هائلة مكنتها من قيادة ما أطلق عليه في ذلك الوقت «المعسكر الغربي»، وساعدتها صور «الأمريكي المنتصر» و«الحلم الأمريكي» وسينما «هوليوود» وأسلوب الحياة الجديد على اختراق ناعم رافق قوتها الخشنة.

الرجل الأول، ريتشارد نيكسون، الذي كان نائباً للرئيس الأمريكي الجنرال دوايت إيزنهاور، أبرز أبطال الحرب العالمية الثانية بوصفه القائد العام للجيش والقائد الأعلى لقوات الحلفاء في أوروبا. والرجل الثاني، جون كينيدي، الذي تبنى رؤية مختلفة لعالم ما بعد الحرب أطلق عليها «الآفاق الجديدة» والتفت حوله نخبة من كبار العقول الأمريكية.

عند مفترق الطرق لعب العصر التلفزيوني، دوراً حاسماً في ترجيح كينيدي.

بقوة الصورة فهو شاب وسيم في الثانية والأربعين من عمره إجاباته حاضرة وابتسامته ساحرة، فيما لم تتوفر لمنافسه نيكسون المتجهم رجل المؤسسة العتيد الخبير بكواليسها وصناعة القرار فيها أية لمسات شخصية قادرة على اجتذاب القلوب.

من مفارقات القدر أن «رجل الآفاق الجديدة» جرى اغتياله و«رجل المؤسسة العتيد» صعد للموقع نفسه بعد فترة وجيزة قبل إزاحته بأثر فضيحة «ووترجيت».

في الثانية، تقف أمريكا الآن عند مفترق طرق عكسي، وهاجسها الرئيسي: كيف تمنع التدهور المحتمل في وزنها الدولي وتقدر بالوقت نفسه على حفظ تماسكها الداخلي؟

الفارق الرئيسي بين المناظرتين، أن الأولى جرت بقدر من الانضباط السلوكي، انطوت على نقاش فيما يهم الناخب الأمريكي، لا على صياح وانفلات ألفاظ وإهانات شخصية تجاوزت كل حد.

الفارق الرئيسي الآخر: تراجع سطوة العصر التلفزيوني لصالح العصر الإلكتروني وثورة الاتصالات، التي تسمح على مدار الساعة بتبادل المعلومات والأخبار أينما كنت في منزلك أو خارجه.

بأثر ما جرى في المناظرة ما بين الرئيس الحالي دونالد ترامب، ومنافسه الديمقراطي جو بايدين، بدت التحديات التي تعترض الولايات المتحدة عن مفترق طرق جديد أكبر من المترشحين.

أولهما، شعبوي متفلت، أهدر بمقاطعاته، 73 مرة خلال المناظرة، فرصته في تحسين موقفه الانتخابي. ألحق بنفسه ضرراً فادحاً باستغراقه في التهجم الشخصي دون أن يكون مقنعاً في تبرير سوء إدارته لجائحة «كورونا»، أو قادراً على طرح بدائل مقنعة ومتماسكة لمشروع الرعاية الصحية الذي يعرف باسم «أوباما كير».

كان خطأه الأكبر امتناعه عن إدانة الجماعات العنصرية البيضاء، كأنه يطعن نفسه بسيفه، فمثل هذا الامتناع يعني انتخابياً خسارة الكتلة الأضخم من الأقليات السوداء واللاتينية والعربية والإسلامية.

وثانيهما، محافظ يفتقد إلى أية كاريزما، محنك بحكم خبرته السياسية الطويلة في الكونجرس الأمريكي ونائباً للرئيس باراك أوباما، يكاد يتماس- هنا- مع ريتشارد نيكسون، دون حضور الأخير وشخصيته القوية.

كان أكثر استعداداً للمناظرة وخضع لتدريب من مستشارين وخبراء، فيما تعالى ترامب بظن أن «جو النعسان» سيكون فريسة سهلة.

حاول بايدن، أن يأخذ سمة رجل الدولة المحنك والهادئ، الذي لم ينل تقدمه في السن من قدرته على التركيز في الاستجابة للضغوط، دون أن يتيح لترامب، فرصة الإمعان في إهانته والتقليل من مستوى ذكائه. «هل يمكن أن تغلق فمك يا رجل؟».

كانت تلك جملة معدة سلفاً من خبراء لاستخدامها في اللحظة المناسبة حتى يكتسب صفة الرجل القوي الذي يستطيع الرد بمثله.

حسب استطلاعات الرأي العام التي تلت المناظرة الأولى بين «ترامب» و«بايدن» فقد ربحها الأخير، لكن يظل الصراع الانتخابي ضارياً حتى اليوم الأخير 3 نوفمبر.

كانت تلك ضربة إضافية لترامب، تقوض استراتيجيته المعتمدة في الهجوم المتتالي على منافسيه لإسقاط هيبتهم وإرباك أطروحاتهم.

ثم جاءت الإصابة المفاجئة للرئيس الأمريكي في توقيت بالغ الحرج بوباء «كورونا» المستجد لتشل أكثر من نصف الوقت الباقي قدرته على الحركة والحضور.

قد تفضي تلك الإصابة بوباء هون من خطورته وأساء إدارة أزمته إلى وضعه تحت قصف إعلامي وسياسي مركز.

إذا ما كان هناك استخلاص رئيسي مما جرى في المناظرة فإن كليهما، ترامب، وبايدن، ليسا على مستوى التحديات التي تتهدد الولايات المتحدة في وزنها الدولي وتماسكها الداخلي.

لا يمكن استبعاد سيناريو واحد بعد الثالث من نوفمبر، إذا ما خسر الرئيس الحالي نتائجها.

التشكيك المسبق في نزاهة الانتخابات سابقة في التاريخ الأمريكي.

القضية ليست من يكسب أو يخسر الانتخابات الرئاسية بقدر ما قد يحدث بعد الثالث من نوفمبر وأثره في القوة العظمى الأمريكية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"