القوقاز والتهافت على النار

04:14 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب


النتيجة الأولية التي خلّفتها ثمانية أيام من القتال في إقليم ناجورنو كاراباخ تفيد بأن أزمة دولية متشعبة بصدد التشكل في منطقة القوقاز وقد تشلها عن الحركة والتفاعل مع محيطها. وفي ظل وضع دولي يتسم بفقدان الثقة والتهافت على النيران واصطناع الصراعات، هناك إصرار من بعض الأطراف على إحياء خرائط قديمة لإعادة رسمها واستدعاء أمجاد غابرة.

الصراع بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم ناجورنو كاراباخ يتجدد، وهذه المرة قد يكون أعنف وأقسى من الجولات السابقة، بالنظر إلى أن هناك بعض اللاعبين مثل تركيا التي بدأت تمد أصابعها وتحرك أدواتها لتصعيد الوضع ولكسب موطئ قدم في الأزمة متوهمة أن ذلك قد يضيف عنصراً إضافياً إلى دورها الإقليمي المثير للشبهات عبر تشبيك الصراعات في بعضها البعض، في سوريا وليبيا والعراق وشرق المتوسط وصولاً إلى كاراباخ. ولن تكون تركيا لاعبة منفردة، فهناك أطراف دولية نافذة مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اللذين لهما دور ومسؤولية في حفظ السلام العالمي. أما روسيا فهي اللاعب الأخطر ولديها علاقات ومصالح وثيقة مع طرفي الصراع، وربما تضطرها التطورات إلى التدخل بنشر قوات للفصل بين المتحاربين.

كل يوم يمر يتسع نطاق النيران، ويتطور القصف من القذائف المدفعية إلى الصواريخ، ومن الطائرات المسيّرة إلى المقاتلات الفتاكة، ومن قتال الشعاب والجبال إلى المدن. وكلما تضخمت حصيلة الضحايا والخسائر ازدادت التهديدات سخونة، وهو ما سيؤدي حتماً إلى أزمة إنسانية حادة بدأت بوادرها مع قوافل النازحين والمشردين، بالتوازي مع التحذيرات للسكان بإخلاء بعض المدن. وحين تسفر الحرب عن مأساة، تبدأ الدبلوماسية الدولية في التحرك على أمل نزع فتيل الحرب، ولكن المحبط اليوم أن الدبلوماسية الدولية سقطت ضحية القيود التي فرضتها جائحة كورونا، كما خضعت، أكثر من أي وقت مضى، إلى لعبة الحسابات الدولية والإقليمية. ومعلوم أن أطرافاً عدة تحاول الاستثمار في الأزمات والتسلل عبر ثغرات في الأمن العالمي لتحقيق مكاسب أو استعادة ما تراه «حقوقها المسلوبة».

حرب القوقاز الجديدة لا يمكن التهوين من نيرانها المشتعلة وقد تتسع لتصبح حرباً إقليمية واسعة، بالنظر إلى طبيعة المتدخلين فيها والالتباس بين من هم «حلفاء» ومن هم «أعداء»، فضلاً عن الاحتقان الشديد الذي يصيب المنطقة. فالأزمات القريبة جغرافياً من ناجورنو كاراباخ ما زالت مفتوحة ولم تجد حلاً، وربما إذا هدأت النار بين أرمينيا وأذربيجان اشتعلت في شرق المتوسط بين تركيا واليونان، في الوقت الذي ما زالت فيه «المواجهة» بين أنقرة وموسكو بسبب الفصائل الإرهابية في إدلب السورية قائمة وخاضعة لتفاهمات، وليس لحل نهائي. وحين يتم الجمع بين كل هذه الخيوط يبدو المستقبل مخيفاً والعواقب غير مطمئنة في ظل إصابة السياسة الدولية بحالة من اللامبالاة والعجز.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"