قراءة الأدب بنصف بصيرة

03:28 صباحا
قراءة 6 دقائق

 القاهرة: مدحت صفوت

مع جائزة تمنح سنوياً لكاتب واحد، حتى لو بلغ عمرها نحو 120 عاماً، من الطبيعي أن تسقط بعض الأسماء التي تستحق التكريم؛ فالحياة الأدبية في اللغات شتّى، وهي ثرية إلى الحد الذي لا تستوعبه جائزة تمنحها الأكاديمية السويدية.

جائزة نوبل في الآداب؛ أشهر الجوائز وأهمها على الإطلاق، تمنح للكتّاب على قيد الحياة؛ تكريماً لمشوارهم الأدبي وكتاباتهم، وتأتي إقراراً بما أنجز الكاتب الممنوح لقلادة ألفريد نوبل.

لا يخفى على متابع ما اكتسبته الجائزة من مكانة، على الرغم مما مرت به من انتقادات طوال تاريخها منذ أول فائز 1901 الفرنسي رينيه سولي برودوم، وآخرهم النمساوي بيتر هاندكه.

الجائزة الأرفع لم تخل أبداً من المشاكسات، ولائحة تاريخها ليست بعيدة عن أصابع الاتهام بالانحيازات السياسية أو الثقافية، وأحياناً الأخلاقية، كما جرى في عام 2018، مما دفع الأكاديمية السويدية إلى إرجاء الإعلان عن الفائز. وفي الوقت الذي تتغافل فيه الجائزة عن عشرات الأسماء، سبق أن مُنحت لرئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل عام 1953، الأمر الذي وصفه الكاتب السويدي شل أسبمارك، عضو الأكاديمية السويدية، ورئيس لجنة نوبل بين 1998 و2004 ب«أسوأ الاختيارات في تاريخها».

«ذاكرة نوبل الأدبية مثقوبة»، وتبدو عيونها في كثير من الدورات «عوراء»، يبحث محكمو الجائزة عن فائز بنصف بصيرة، وبمعايير قد تبتعد عن التأثير الأدبي والثقافي، حتى خلت قائمة الفائزين من أسماء؛ أمثال: ليو تولستوي ومكسيم جوركي وأنطون تشيكوف وسومرست موم وهنريك أبسن وسيجموند فرويد وبرتولت بريشت وألبيرتو مورافيا وراينر ماريا ريلكه وبول فاليري ونيكوس كازانتزاكيس.

ثأر شخصي

في الأدب البريطاني، يتحسر المتابعون لمسيرة الكتابة الإنجليزية على عدم فوز عدد من الأسماء، في مقدمتهم الروائي من أصول هندية آر كاي ناريان؛ وهو من أوائل الهنود الذين كتبوا أدباً بالإنجليزية، وقد لاحظ صديقه البريطاني جراهام جرين أنه بسبب كتابات ناريان، عرف جرين ما يعينه أن تكون هندياً.

وبالتزامن، تتجاهل الجائزة المؤلف الإنجليزي إيفلين ووه، الذي اشتهر برواياته الناقدة لمجتمع لندن الثري، التي جمعت بين النقد الهزلي والأفكار الدينية والروحية، وسبب عدم الحصول على نوبل؛ هو تنميط كتابات «ووه» من قبل الأكاديميات الغربية في صورة الكتابة الساخرة والكوميدية، ولسبب غير معروف تجاوز محكمو نوبل اسم أنتوني باول مؤلف عمل: «رقص على موسيقى الزمن»، والتي جاءت في 12 مجلداً، وصنفته صحيفة «تايمز» ضمن «أعظم 50 كتاباً بريطانياً منذ عام 1945».

من جهة، قد يلعب الثأر الشخصي لبعض أعضاء اللجنة دوراً في استبعاد اسم كاتب ما، وحكايات انتقام أعضاء الأكاديمية السويدية من المؤلفين تتردد في الصحافة الغربية وبقوة، وإن ظلت مجرد «حكايات»، لكنّ يستدل على مصداقيتها بعدم فوز بعض الأسماء اللامعة بالجائزة.

أشهر هذه الحكايات المرتبطة بعدم فوز البريطاني جراهام جرين، وتذهب المروية إلى أن حجب اسمه جاء بناء على رغبة أحد أعضاء الأكاديمية، واعتبرت الأوساط الغربية اختيار الإنجليزي «ويليام جولدنج» في عام 1983 ازدراء مباشراً ل«جرين»، الذي كان البريطانيون يعدونه أعظم كاتب على قيد الحياة يكتب باللغة الإنجليزية.

موقف فني

وبعيداً عن الثأر الشخصي، بدت روح الدعابة والشعبوية سمات تحرم الكاتب من نيل الجائزة في القرن الفائت، الأمر الذي يمكن ملاحظته مع الشعراء الفرنسيين جان كوكتو وجاك بريفير، والأدباء الإيطاليين إيتالو كالفينو وسيزار بافيز وناتاليا جينزبرج. فيما تشير المرويات الغربية إلى أن التقاليد المحافظة للمؤسسة السويدية كانت وراء عدم فوز الفرنسية سيمون دي بوفوار.

الأساليب الكتابية غير المطروقة لا تعجب أحيانًا محكمي نوبل، وهو ما يظهر في عدم فوز جيمس جويس، وبالتأكيد جويس أديب عظيم ويكتب أدباً مختلفاً، وروايته «عوليس» من أهم 100 عمل أدبي في القرن العشرين حسب تصنيف مجلة «تايم»، بينما وصفت الأكاديميات الغربية عدم نيله لنوبل ب«الجائزة لم تفز به».

وبسبب التقنيات أيضاً، استبعدت المؤسسة السويدية، الأمريكي روبرت فروست، على الرغم من فوزه بجوائز عدّة حتى قيل إن رف فروست لا تنقصه سوى جائزة نوبل، بينما تتداخل التقنيات مع العوامل السياسية في موقف اللجنة المانحة من الشاعر الأمريكي آلن جينسبرج ورفاقه، على الرغم من الشهرة التي حققها داخل وخارج بلاده.

جائزة يترشح لها نحو 200 اسم سنوياً، قد يبدو سقوط الكثيرين منها طبيعياً؛ لكنّ مع فوز أسماء غير معروفة أو لم تقدم نتاجاً كبيراً في الحياة الأدبية، يصبح التساؤل عن عدم فوز الأكثر جدارة مشروعاً، ولعلنا نستحضر هنا من الماضي فرانز كافكا وجون أبدايك، ومن الوقت الحالي الياباني هاروكي موراكامي، والتشيكي ميلان كونديرا، ومن قبلهم إمبرتو إيكو.

كراهية الأمريكيين

حين فاز الفرنسي باتريك موديانو، 2014، بالجائزة، شنّت الصحف الأمريكية والبريطانية هجوماً حاداً على المؤسسة السويدية؛ انتفاضاً لاسم واحد من أشهر الكتّاب الذين تجاهلتهم الجائزة حتى مماته في عام 2018؛ وهو فيليب روث. المحررة في صحيفة «جارديان» «إيما بروكس» وفي معرض دفاعها عن «روث» عابت على الجائزة؛ كونها «المنصة الثقافية لمواجهة الهيمنة الثقافية الأمريكية، وأن محكمي نوبل «المتغطرسين» لا يحبون مكافأة المؤلفين الأكثر قراءة والأكثر مبيعاً».

وتتساءل «إيما» «ماذا لو كانت الجائزة عبارة عن مؤامرة سرية من قبل المحكمين؛ لجعل رجل عجوز يتوق إلى المزيد من الجوائز؟»، فيما يسخر المحرر الأدبي في صحيفة نيويورك تايمز، «دوايت جارنر»، من محكمي الجائزة، الذين «من المفترض أنهم يرتحلون بين الثقافات للاختيار؛ لكن هذا الأمر مزحة، والواقع غير المستكشف أنهم «متطرفون للغاية».

وظلّ اسم روث يردد لسنوات ضمن المرشحين لنيل نوبل، حتى اشتهر عنه أنه يقطع رحلة إلى نيويورك وقت الإعلان عن الجائزة؛ للانتظار في مكتب وكلائه، يجلس إلى جانب الهاتف ينتظر الاتصال، وقد أعدّ الوكيل كتاباً دعائياً للطباعة، وفي غرفة الاجتماعات المزودة بالمرطبات يظل جالساً، وفي نهاية اليوم، يقطع رحلة طويلة حزينة للعودة إلى ولاية كونيتيكت.

وعلى الرغم من حصول 12 اسماً من أمريكا على الجائزة؛ يزعم الروائي الأمريكي «سبنسر بوم» أن اللجنة السويدية لا تحب الأدب الأمريكي، وتكره المؤلفين الساخرين في بروكلين، على الرغم أن بعضهم كتب عن الشعب الصيني مثل: بيرل باك، كما أن آخرين كتبوا عن الفقراء السود، ساخراً «لو كان فيليب روث فرنسياً لفاز بالجائزة»، فيما يغض بوم الطرف عن فوز الشاعر والمطرب الشعبي «بوب ديلان» في حادثة بدت مفاجأة وصدمة للأوساط الثقافية في العالم برمته، كذلك فوز توني موريسن التي كتبت عن الفقراء السود.

ويسخر «بوم» من منح الجائزة في منتصف القرن العشرين إلى الآيسلندي هالدور لاكسنس، الذي لم يكن سمع عنه أحد من قبل، فقط لأنه يكتب عن الطبيعة والرعي، وقال «لطالما رغبت في الابتعاد عن أمريكا، وتغيير اسمي إلى ماتياس وأصبحت راعياً، إنه عمل منجز للغاية، مشاهدة الخراف تتسكع طوال اليوم، وككاتب عليك فقط مراقبتها؛ لتنتج كتابة أشبه بحلقات المسلسل الأمريكي The Big Bang Theory».

عنصرية

وفي إطار نقد تاريخ الجائزة، اعتبرت بعض الكتابات الغربية عدم فوز الأمريكي جيمس بالدوين، خلال السبعينات أو مطلع الثمانينات؛ بسبب الموقف العنصري، وتحت ذريعة «العالم ليس مستعداً لفوز كاتب أمريكي أسود»، خاصة وأن كتابات «بالدوين» كانت جزءاً من النضال ضد التمييز العنصري والعرقي والتفاوت الطبقي، وعُرف بمواقفه القوية حول اضطهاد السود، ومواجهة العنصريين البيض في المجتمع ووسائل الإعلام، وكافح التمييز القائم على الهوية وضعف قيم المجتمع الأمريكي.

لكنّ، وقبل وفاة «بالدوين» بعام، منحت الأكاديمية السويدية جائزتها إلى النيجيري وول سونيكا، كأول أديب إفريقي في التاريخ يفوز بجائزة نوبل الأدبية، وربما بعدما كان العالم مستعداً لفوز أمريكي أسود بالجائزة، حصلت عليها الروائية الأمريكية الإفريقية توني موريسون 1993.

حظ عربي عاثر

عربياً هناك العديد من الأسماء التي قيل إنها ترشحت، منها توفيق الحكيم ويوسف إدريس وأدونيس، ولعل تجاهل الجائزة لاسم عميد الأدب العربي طه حسين، هو الأغرب في تاريخ علاقة الأكاديمية السويدية بالثقافة العربية، ففي العام الماضي أعلن القائمون على الجائزة عن ترشيحات الجوائز منذ مطلعها حتى 1969؛ أي بعد مرور 50 عاماً على أقرب الأعوام، وتبيّن ترشيح «حسين» للجائزة 14 مرة من جهات عدّة، فيما لم يفز في أي دورة من الدورات.

وتنوعت ترشيحات العميد، فمرة تأتي من أحمد لطفي السيد، وثانية من الفرنسي برنارد جويان، وثالثة من جامعة القاهرة «جامعة فؤاد الأول حينذاك»، ومرات أخرى على يد السويديين كارل زترستين وهيدبرج وهنريك صاموئيل نايبرج، والفرنسي شارل بلا، والسويسري سيزار دوبلير، ليخسر أمام وليام فوكنر، والفيلسوف البريطاني برتراند راسل، وبار لاجركفيستن وفرنسوا مورياك وإيفوأندريتش واليوناني جيورجوس سفريس، وجان بول سارتر، والسوفييتي ميخائيل شولوخوف، وغيرهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"