نحن والجائزة..المشكلة ليست في الترجمة

03:23 صباحا
قراءة 5 دقائق

استطلاع: نجاة الفارس

هل ترجمة الأدب العربي السبيل الوحيد إلى جائزة نوبل؟ أم أن هناك وسائل أخرى؟، يرد عدد من الكتّاب على ذلك متسائلين لماذا لم يترشح ولم يفز بجائزة نوبل للآداب حتى الآن سوى (نجيب محفوظ)، هل المخيلة العربية ضحلة إلى هذه الدرجة؟ فكيان يضم أكثر من ثلاثمئة مليون نسمة لم يترشح أو يفز منه غير مبدع واحد في مجال الآداب؟ أين السيّاب ودرويش والجواهري ودنقل وغيرهم؟

ويذكرون أن حالة محفوظ لم تتكرر، ويعود ذلك إلى عدة أسباب؛ بعضها يرتبط بالجائزة وبالقائمين عليها، وبعضها الآخر بالأدباء العرب، وتقصيرهم في تلبية معايير وشروط الجائزة، أو في التعريف بمنتجهم الأدبي، ونقله بالصورة المثلى إلى الآخر، ولا سيما المؤسسات الأدبية الأوروبية والأمريكية، مؤكدين أن الحل يكمن في أن نبذل جهداً أكبر، وربما حباً أكثر لهويتنا العربية، مما سينعكس على حياتنا والعالم من حولنا.

يقول الكاتب والقاص حسّان سراي الدين: لابد هنا أن نطرح سؤالاً مفصلياً: لمَ جائزة نوبل؟ حسناً لقد أراد نوبل أن يكفر عن الجانب السلبي لاختراع الديناميت، وهنا أتفق شخصياً مع الأديب العظيم برناردشو الذي قال وقد ترفع عن قبول الجائزة مالياً، وتقبل التكريم فقط «أستطيع أن أغفر لنوبل أنه اخترع الديناميت؛ لكن لا أغفر له أنه أسس جائزة»، ولنكون موضوعيين، سنقر حقيقة بأن من ينال نوبل في مجال الأدب، هو على مستوى عالٍ من الثقافة والإبداع، ولا شك بجدارته في هذا المجال؛ لكن السؤال (هل هو حقاً الأفضل؟)؛ أي هل الجائزة هي منصة تتويج يتنافس ضمنها الأدباء بنزاهة للتربع على القمة؟ وستصدمنا الإجابة، مع الأسف، فالمنافسة العادلة بين الأدباء غائبة جزئياً، فالأمر هو مسألة ترشيح وليس مواجهة ومناظرة وصولاً للتتويج، وهذا ينقلنا إلى المرحلة التالية؛ للوصول إلى الترشيح (والإجابة الأولى عن السؤال المطروح)؛ وهو التغطية الإعلامية، وهنا تحديداً تكمن مشكلة الأدب العربي والمجتمع العربي، وأغلب الحكومات العربية فالجميع مقصر في مجال الإعلام، وإعطاء المساحات للأدباء؛ من خلال برامج جذابة، والابتكار بعملية الإخراج لهذه البرامج؛ لجذب الجمهور من أجل تلقي جرعة الأفكار الإبداعية بطريقة سينمائية وثائقية وتلفزيونية متقنة.

علينا أن نخلق من خلال وسائل الإعلام جيلاً يتعاطى الآداب، علينا أيضاً أن نطور المكافآت للمبدعين، وأن نترك فضاءات لهم، وهنا أود أن أثمن دور الأفراد الذين أبدعوا على قنوات (اليوتيوب) بجهد فردي؛ للوصول إلى فئات مستهدفة من المتلقين، في حين فشلت التلفزة بقنواتها الممولة والمفتوحة على كل المتلقين بهذه المهمة منذ عقود، فعندما يتكلم الشارع عن مبدعٍ فذّ، فحتماً سيطالب العالم على اختلاف شعوبه بترجمة أعماله، فلا يمكن فهم المبدع سوى باللغة التي يتقنها القارئ.

نعم الترجمة ضرورية، ولكن سيصبح الفرق في أن الآخرين سيبحثون عن قراءة ترجمة لهذا المبدع عندما تشهره بلده الأم، ومع ذلك فما زلت أعتقد بأن هذه الجائزة على الرغم من أهميتها على مستوى العالم، فإنها في مجال الآداب تثير الكثير من الجدل، فهي انتقائية أكثر منها تنافسية، ولو لم يكن كذلك لرأينا درويش من المتوجين بها على إنتاجه الأدبي والإنساني العريق.

دعم هويتنا

تقول الكاتبة إيمان الهاشمي: أرى أن اللغة العربية هي الأغنى والأكثر ثراء وقدرة على استخدام الألفاظ والصيغ البلاغية وأسرار الكلمة التي تعبر بالتفصيل عن حالة ما، وهذا ما يميزها عن جميع لغات العالم؛ فهي لغة القرآن الكريم، ولا شيء يفوق لغة كتاب الله عز وجل ، ولهذا تجلى اهتمام الغرب بالأدب العربي منذ عدة قرون، وكان الكتّاب آنذاك يتعمدون دراسة لغتنا الفصحى في محاولة لفك رموزها، وفهم مصدر جمالها وأناقة حروفها المترابطة؛ لكن مع مرور الزمن للأسف تم ركنها بعيداً عن هويتنا حتى أصبح الأدب العربي يحتاج إلى ترجمة إلى لغة أخرى، تجحف من حقه؛ حيث لا تتوفر في كثير من الأحيان الترجمة الصحيحة والمثالية؛ لوصف اللفظ المطلوب بنفس الأسلوب الجمالي، ومن هنا أرى أن الحل يكمن في أن نبذل جهداً أكبر، وربما حباً أكثر لهويتنا العربية، مما سينعكس على حياتنا والعالم من حولنا، وبالتالي تصبح جميع اللغات تترجم من العربية؛ كي ننال جائزة نوبل والتي حصدها فخر العرب الأديب نجيب محفوظ من قبل، باختصار لا توجد وسيلة أفضل من إثبات هويتنا العربية بطريقة صحيحة وقوية، ولا بأس بإنشاء جائزة عالمية خاصة بنا، يتهافت الأدباء عليها من كل بقاع الأرض.

التواصل الخلّاق

الإعلامي سعيد البلوشي، يقول: نعلم جميعاً أن جائزة نوبل أوروبية المنشأ، وحصل عليها على مدى 125 عاماً من العرب أديب واحد هو نجيب محفوظ، وعلى الرغم من وجود قامات عربية بارزة في مجال الأدب، والتي كانت ذات منجز ثقافي وأدبي رصين، فإن حالة محفوظ لم تتكرر، ويعود ذلك إلى عدة أسباب؛ بعضها يرتبط بالجائزة والقائمين عليها، وبعضها الآخر بالأدباء العرب وتقصيرهم في تلبية معايير وشروط الجائزة، أو في التعريف بمنتجهم الأدبي ونقله بالصورة المثلى إلى الآخر، ولا سيما المؤسسات الأدبية الأوروبية والأمريكية.

إن حصر المشاركات أو الترشيحات في ميدان ترجمة الأدب العربي؛ تقييد وحصر غير ملزمين، فالفنون الأدبية العربية عديدة ومتنوعة بما فيها الرواية والقصة القصيرة والتأليف والشعر وغيرها من الأجناس الأدبية، وليس شرطاً ترجمتها إلى لغة الآخر حتى تلقى القبول الكافي، وتدخل مضمار المنافسة في الجائزة، هي في الواقع بحاجة إلى تعريف وتسويق ونقل إلى المؤسسات الأكاديمية والثقافية في أوروبا وأمريكا، ووضعها في متناول يد الطالب والمثقف والقارئ العادي، بشرط أن يتم اختيار المنتجات الأدبية الرصينة والتي تتناول قضايا عربية أو غير عربية؛ لكن ببعد إنساني وعالمي، وفي الواقع، تتوزع جوائز نوبل في مجالات العلوم؛ بما فيها الطب والكيمياء والفيزياء، وكذلك في السلام، فضلاً عن الآداب، ومن ثم، علينا أن ندفع بباقي علماء العرب في مجالات العلوم والبارزين في مجال السياسة والسلام؛ للحصول على هذه الجائزة، نحن بحاجة إلى مزيد من التواصل الخلاق، والتفاعل مع ثقافة الآخر، وإحداث ذلك المزج الإيجابي في النصوص العربية مع اهتمامات الآخر، وبخاصة الجوانب الإنسانية المشتركة، فقد أصبح هناك ما يسمى بالثقافة العالمية الموحدة، ويمكن الدخول من خلالها إلى حلبة نوبل، ومنافسة الأقران من أدباء اللغات الأخرى وكذلك من علمائهم وسياسييهم.

دور بارز

من جهتها توضح الكاتبة هبة مقدم أن ترجمة الأدب العربي ليس السبيل الوحيد إلى جائزة نوبل، فقد كان للمبدعين العرب الدور البارز في الغرب كأدباء المهجر في دعم الحضور العربي؛ لما تحتويه إنتاجاتهم من مفردات الثقافة الإنسانية المؤثرة؛ لكنهم مع ذلك تغيبوا ولم يحصد أي منهم جائزة نوبل؛ لذلك برأيي لا يمكن تهميش التجربة الإبداعية العربية، أو القول بتقاعس الترجمة لتعريف الغرب بالأدب العربي؛ إذ إن هناك كتاباً عرباً بالفعل ممن لديهم ما يؤهلهم للحصول على جائزة نوبل؛ بناء على ما قدموه من إبداع، لا سيما توفيق الحكيم الذي أرسى قواعد جديدة في الإبداع، كذلك طه حسن الذي على الرغم من ترجمة كتاباته إلى الفرنسية وغيرها من اللغات لم يحصل على جائزة نوبل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"