هذه تركيا بكل تناقضاتها

03:42 صباحا
قراءة 3 دقائق
مهرة سعيد المهيري

يعلم الجميع ما هو غرض تركيا من التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية. فمرة نجدها تعتدي على سيادة الدولة السورية مستغلة الوضع المتردي فيها في ظل انشغال جيشها في تصفية البلاد من الإرهابيين. وفي قطر، عندما قررت باقي دول الخليج العربي ومصر معاقبتها لدعمها الإرهاب، أرسل أردوغان قواته إلى هناك لحمايتها.

ولكن السؤال هنا: تركيا تحمي قطر من ماذا ؟ من الدول الخليجية التي يعتبر الشعب القطري منها وفيها؟ أم من ماذا تحميها ؟هل هي حماية أم أنه استنزاف للمال القطري واستغلال الظروف التي تمر بها قطر إثر دعمها للإرهاب؟

إذا عدنا إلى الوراء، سنعلم علم اليقين ما هو تاريخ تركيا. في حقيقة الأمر يشير التاريخ إلى أن العرب والأتراك ينحدرون من إثنيات مختلفة، ويستخدمون لغتين مختلفتين. أضف إلى ذلك الحقيقة القائلة إن الدولة العثمانية، التي حكمت معظم منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لعدة قرون كانت سلطة تركية سلبت العرب حقهم في تقرير مصيرهم. فالعلاقات العربية التركية كانت حتى فترة ليست بالبعيدة تتسم بالشكوك والصراعات. في سوريا.. تبدو نزعة أردوغان في الهيمنة والاحتلال جلية في البلد العربي الذي تمزقه الحرب منذ 9 سنوات، حيث أدخل الرئيس التركي الإرهابيين عبر حدوده، وسعى لضم أجزاء من شمالها، وأقام نقاط المراقبة لضمان وجوده المستمر.

وإلى الجار العراق، حيث لا يختلف النهج التركي في سوريا لا يختلف عنه في العراق، من حيث العمليات العسكرية في مناطق الأكراد شمالاً، وبناء القواعد العسكرية التركية والتخطيط لزيادتها.

وبين سوريا والعراق لا يقتصر سلاح تركيا في تحقيق طموحاتها على الجانب العسكري، بل يتجلى عبر سياسة التعطيش في البلدين، إذ تواصل أنقرة بناء السدود على نهري دجلة والفرات، فيما وُصف بالابتزاز التركي لدول الجيران.

والتدخل التركي في ليبيا قصة لوحدها، إذ يكشف إلى أي مدى يمكن لأردوغان أن يذهب في طموحه. فإذا كانت سوريا والعراق بلدين لهما حدود مشتركة مع تركيا، فما هي المبررات التي تجعل تركيا تتدخل بهذا الشكل السافر في ليبيا ؟ نفهم عداءه الإيديولوجي لمصر، حيث انهار المشروع الإخواني انهياراً مدوياً. ولكن العداء الإيديولوجي أصبح مشروعاً كاملاً للهيمنة التركية على منطقة شرق المتوسط ويتعامل مع ليبيا كضفة جنوبية لتركيا.

ولكن الحقيقة أن أردوغان رجل له وجهان، أو أكثر، فهو يتلون كالحرباء، لتحقيق أقصى استفادة من الجميع، فهو ابن التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، والداعم الأكبر لهم الآن، ومن ثم يلعب على المشاعر الدينية للمسلمين باستخدام حلم الخلافة الإسلامية، وهي في الحقيقة خلافة عثمانية.

قد تكون أحد أهداف أوردغان عودة جماعة الإخوان مرة أخرى في المنطقة، بعد أن لفظتهم الشعوب العربية.

نتفهم انفجار أعصاب أردوغان وتصريحه الذي صرح قائلاً إن تمادي بعض دول الخليج في عدوانها وتدخلها في الشأن السياسي التركي ستكون له آثار سلبية وعواقب وخيمة على تلك الدول أو الدويلات. ونسأل: إن كانت مثل ما تقول هي مجرد دويلات لماذا إذاً هذا الاستنفار!؟ إن إساءات أوردغان المتكررة التي نعتبرها بأنها إساءة تركية - قطرية مشتركة التي تستهدف كلاً من السعودية والإمارات، تؤكد انزعاج تحالف الشر من قوة العلاقات بين البلدين، ما هو إلاّ دليل يؤكد لنا أن قادة السعودية والإمارات صمام أمان المنطقة.

يسأل الأمير بندر بن سلطان أمين مجلس الأمن القومي السعودي السابق في مقابلة أجريت مؤخراً في الرد على تركيا التي سارعت بسحب سفيرها من الإمارات بعد اتفاق السلام «لماذا لم تطرد سفير إسرائيل في أنقرة أو تسحب سفيرها من تل أبيب؟» نرد ونقول هذه هي تركيا، بكل التناقضات.

أردوغان جعل تركيا في حالة عداء مع كل الدول. كما جعل الاقتصاد التركي في حالة انهيار متواصل، وجعل الليرة التركية في أسوأ قيمة لها في تاريخها. ثم يريد أردوغان تصدير أزماته إلى الخارج.

على أرودغان الاهتمام بوضعه الداخلي، وخصوصاً بعُملته المنهارة، وليترك الدول المتقدمة بعيدة عنه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"