«حرب الكاتيوشا» في العراق

01:57 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد فراج أبو النور *

فصل جديد ساخن من الصراع الأمريكي - الإيراني يشهده العراق منذ مطلع هذا العام، وتحديداً منذ اغتيال القوات الأمريكية قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي الملقب ب«أبو مهدي المهندس» في 3 يناير الماضي.
وابل من صواريخ «الكاتيوشا» يتساقط على القواعد والمنشآت الأمريكية، وعمليات عسكرية مختلفة ضد قوات واشنطن والتحالف الغربي في العراق تنفيذاً لقرار إيران والفصائل العراقية المسلحة الموالية لها بالانتقام لسليماني والمهندس، وتهديدات بمزيد من التصعيد والقصف المباشر للسفارة الأمريكية في قلب المنطقة الخضراء، وباحتلال مبنى السفارة من جانب الفصائل العراقية المسلحة وتهديدات أمريكية مقابلة برد عسكري أكثر إيلاماً، وبإغلاق السفارة الأمريكية في بغداد، وهو إجراء يمكن أن تكون له عواقب سياسية واقتصادية خطيرة وأن يتلوه إغلاق سفارات غربية أخرى، وبالتالي وقف تدفق الاستثمارات والقروض الغربية على العراق، وربما فرض عقوبات اقتصادية عليه، بينما تشهد البلاد أصلاً أزمة اقتصادية طاحنة، لا تحتمل أي اهتزازات جديدة.

حملة سياسية شاملة

وكان البرلمان العراقي الذي تحتل فيه الأحزاب الموالية لإيران وزناً مؤثراً للغاية، قد رد على اغتيال سليماني والمهندس خلال يومين فقط من العملية بقرار يدعو الحكومة لإنهاء وجود القوات الأجنبية في البلاد (5 يناير 2020). ثم عاد خلال شهرين تقريباً لاتخاذ قرار بدعوة الحكومة بوضع جدول زمني لمغادرة هذه القوات.
وتترافق مع عمليات القصف المتبادلة حملة سياسية شاملة تشنها الأحزاب الموالية لإيران داعية لخروج القوات الأمريكية وقوات التحالف الغربي من البلاد، باعتبار أن وجودها يمثل انتهاكاً للسيادة الوطنية والاستقلال، بينما يطلق المسؤولون الأمريكيون تصريحات تتهم الأحزاب المذكورة وميليشياتها بأنها أذرع للنفوذ الإيراني في العراق .
ومعروف أن سياسة ترامب تقضي بتقليص وجود القوات الأمريكية في العراق إلى الحد الأدنى، وقد تم منذ شهر مارس /آذار الماضي إخلاء ثماني من هذه القواع، آخرها قاعدة (التاجي) القريبة من بغداد، وتسليمها إلى القوات العراقية، كما قررت واشنطن تقليص عدد قواتها في العراق إلى (3000)، وهي إجراءات من الواضح ارتباطها بتصاعد الهجمات المسلحة والحملة السياسية الشاملة ضد الوجود الأمريكي.

ارتباط وثيق

الترابط مفهوم تماماً بين تصعيد الولايات المتحدة للعقوبات الشاملة وإجراءات الحصار ضد إيران - وصولاً إلى اغتيال سليمان والمهندس - وبين استخدام طهران لمختلف أدواتها في محاولة الرد على الإجراءات الأمريكية، بما في ذلك الفصائل العقائدية العراقية المسلحة مثل كتائب حزب الله، وحركة النجباء، وعصائب أهل الحق وغيرها من الفصائل التي ترتبط بإيران بعلاقات عضوية.
ومن ناحية أخرى فإن هذه الفصائل، وغيرها من فصائل الحشد الشعبي «ال 42 كان لها - ولا يزال - دورها المهم في مواجهة «داعش» منذ أن تم إنشاء «الحشد» بفتوى من المرجع الديني السيستاني، كما أن مواقفها تجد صدى لدى رجال السياسة الأكثر طائفية، مثل نوري المالكي رئيس الحكومة العراقي الأسبق ( تحالف دولة القانون) وهادي العامري ( تحالف الفتح) وغيرهم، ولكل هذه الأسباب فإن (نزع سلاح) هذه الفصائل أو القضاء عليها ليس بالأمر السهل، خاصة مع ظهور «داعش» من جديد والدور الذي تقوم هذه الفصائل - ضمن فصائل أخرى «للحشد» في حراسة الحدود السورية - العراقية، لاسيما في الجزء الشمالي من هذه الحدود.
علماً بأن القوات الأمريكية تنظر إلى وجود قوات تلك الفصائل - والحشد الشعبي عموماً - على الحدود السورية - العراقية نظرة سلبية، بغض النظر عن دورها ضد «داعش»، لأنها تحافظ على فتح المعابر الحدودية بين سوريا والعراق، وبالتالي فإن القوات الأمريكية تقوم بتوجيه الضربات الجوية إلى قوات الفصائل المسلحة العراقية من وقت لآخر، خاصة في منطقتي معبر «القائم» و«البوكمال» وترد الفصائل بقصف الأهداف الأمريكية.
وباختصار فإن الفصائل المسلحة العراقية المتشددة طائفياً تواصل تصعيدها العسكري من خلال صواريخ الكاتيوشا ضد القوات الأمريكية (والحليفة) والسفارة الأمريكية في بغداد.

موقف حكومة الكاظمي

معروف أن رئيس الحكومة العراقية الحالي مصطفي الكاظمي جاء إلى السلطة بعد فشل كل من محمد توفيق علاوي الأقرب إلى إيران وعدنان الزرفي (المحسوب على أمريكا) في تشكيل حكومة جديدة خلفاً لحكومة عادل عبد المهدي التي أسقطتها انتفاضة أكتوبر 2019. وكان الكاظمي رئيساً للمخابرات، وبالتالي فهو على احتكاك وثيق - وليس مجرد معرفة - بكافة الملفات والقضايا الأكثر أهمية للبلاد.
وبالرغم من أن حكومته ذات طابع انتقالي ومهمتها الأساسية هي إجراء انتخابات عامة مبكرة (الصيف القادم)، فقد سعى إلى معالجة الأوضاع المتفجرة التي ورثها عن أسلافه، سواء من الناحية السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية وإلى محاولة تجنيب العراق مغبة الوقوع في أسر الاستقطاب الحاد بين كل من إيران وأمريكا.
لذلك فإنه مع دعمه لاتجاه تقليص الوجود العسكري الأمريكي في البلاد، أعلن في أول خطاب بعد توليه المسؤولية أن «السلاح يجب أن يكون في يد الحكومة وحدها»، واتخذ قراراً بعزل فالح الغياض - رئيس هيئة الحشد الشعبي - من منصب مستشار الأمن القومي، والإشراف على الأمن الوطني (الأمر الذي كان يجعل منه مركز قوة خطيراً) اكتفاء بأن يكون رئيسا «للحشد» كما أعلن أن مكافحة الفساد من أهم أولوياته، إلى جانب مكافحة كورونا وإعادة النازحين إلى مواطنهم، وإعداد قانون جديد للموازنة العامة، فضلاً عن الإعداد للانتخابات العامة المبكرة ( تحدد موعدها الصيف القادم)، كما اتخذ وجهة عربية بلقائه المهم مع الرئيس المصري وعاهل الأردن وإعلانه الاهتمام بتطوير علاقات العراق بالدول العربية. وواضح أن تصاعد الصراع الأمريكي - الإيراني في العراق عائق أمام هذه التوجهات الوسيطة، وربما تعبير عن عدم الرضا عنها من الطرفين وأن نهاية الصراع لن تكون قريبة.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"