دقة وحراجة موقف «دويتشه بنك»

02:52 صباحا
قراءة 3 دقائق
آراء وتحليلات
آراء وتحليلات

د. محمد الصياد*

 

منذ عام 2008 (الأزمة المالية العالمية)، و«دويتشه بنك» الألماني يُلاحَق من قبل السلطات الأمريكية بتهم تتراوح بين الإخلال بضوابط غسل الأموال، وممارسة التزوير والتدليس في الأسواق، وبيع الأوراق المالية المسمومة Toxic securities (وهذه بالمناسبة ممارسة أمريكية كانت شائعة ومنتشرة على نطاق واسع، خصوصاً فيما يسمى بسوق الرهن العقاري الثانوي)، الذي هو عبارة عن قروض تمنحها البنوك لأفراد لا يتمتعون بضمان استرداد الدين. وكان هذا السوق قد أنشأ «بدعة» المشتقات التي اعتبرها تنفيذيو البنوك الأمريكية حينها، أحد إبداعات وابتكارات الرأسمالية الأمريكية الفريدة. ولكن هذه المنتجات المالية «الابتكارية» هي التي أطلقت شرارة الأزمة المالية، حتى أنها سبقت بقليل انهيار ليمان براذرز. وقد بلغت قيمة الغرامات والنفقات القانونية التي تكبدها دويتشه بنك في القضايا التي رفعت ضده، وتراوحت بين غسيل الأموال والمخالفات القانونية، 18.3 مليار دولار، وهو ما لم يتكبده أي بنك أوروبي آخر. ولازالت التحقيقات من جانب السلطات الأمريكية جارية مع مسؤولي البنك؛ وفي حين تمت تسوية بعض القضايا المرفوعة ضد البنك، فإن التحقيقات بشأن قضايا أخرى لا زالت تنتظر مواعيد تسويتها.

كان «دويتشه بنك» يمني النفس بأن تتكلل جهوده للاندماج مع البنك التجاري الألماني «كوميرزبنك»، ثاني أكبر بنك في ألمانيا في تصنيف عام 2019 بأصول 462 مليار يورو - أن تتكلل بالنجاح. وكانت إدارته التنفيذية تشيع (لأغراض الدعاية وحماية سعر سهم البنك في البورصة)، بأن الأسوأ قد صار خلفنا مع توجه البنك نحو مفاوضات الاندماج مع «كوميرزبنك». لكن ما حدث هو وصول هذه المفاوضات في إبريل 2018، والتي استغرقت أسبوعين، إلى طريق مسدود، وبالتالي إلغاء الصفقة برمتها. المشكلة أن البنكين خرجا مرهقين من الأزمة المالية، ناهيك عن أن الصفقة بحد ذاتها لن تعني نهاية متاعبهما، إذ كانت ستؤدي، بحسب النقابات الألمانية التي عارضت الصفقة، إلى فقدان 30,000 وظيفة، إضافة إلى أن الصفقة لن تترتب عليها فوائد كبيرة ملموسة، اللهم إنها ستنشئ «بطلاً» مصرفياً وطنياً يضع حداً لعلامات الاستفهام حول مستقبل البنوك الألمانية، كما كان يتمنى المسؤولون الحكوميون الألمان وفي مقدمتهم وزير المالية أولاف شولز الذي دفع بقوة من أجل إتمام الصفقة.

والصفقة، مهما كانت فوائدها، تبقى محدودة الأثر، وليست بالقدر الكافي لتعويض المخاطر والتكاليف المترتبة عليها، إلا أنها على الأقل تعالج مستوى الربحية المنخفض الذي يحققه المصرفان بمفردهما. والمثير أن وكالات التصنيف الائتماني، (وهي ثلاث شركات، كلها أمريكية: موديز وفيتش وستاندرد آند بورز) قد حذرت من مخاطر صفقة الاندماج، كما أن البنك المركزي الأوروبي كان سيطلب من دويتشه بنك رفع رأسماله قبل أن يعطي الضوء الأخضر لعملية الاندماج، في ذات الوقت الذي كان مستثمرو البنك الرئيسيون قد رفضوا المساهمة في رفع رأسمال البنك، معتبرين الصفقة غير منطقية.

على أن السؤال الذي تبادر لأذهان المشتغلين والمعنيين بأمر الاقتصاد العالمي، فور تسرب تلك المعلومات (أو الإشاعات) بشأن دقة وحراجة موقفه المالي، حد التهديد بالإفلاس، إلى أقنية الإعلام المفتوح، هو: هل يكون دويتشه بنك النسخة الألمانية من «ليمان براذرز»؟

ينظر بعض المحللين إلى دويتشه بنك على أنه البجعة السوداء للنظام المصرفي الألماني والأوروبي. كان لدى ليمان براذرز أصول بقيمة 639 مليار دولار قبل أن يتقدم بطلب إعلان الإفلاس في عام 2008. اليوم لدى دويتشه بنك موجودات تبلغ 1.35 تريليون دولار. لكن خسائره في عام 2017 زادت على التوقعات وبلغت 497 مليون يورو، كما خفضت وكالة تصنيف ستاندرد آند بورز تصنيف البنك من (A-) إلى (BBB+) نتيجة لانخفاض أسهم البنك. كما انخفضت إيراداته بنسبة 80% منذ عام 2017.

ولذلك فإن ورود اسم البنك مجدداً في تقرير الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين ICIJ وBuzzFeed News، يضع البنك الألماني من جديد في دائرة أضواء الشبهة بدلاً من الشهرة التي يفترض أن يجسدها كأحد رموز الاقتصاد الألماني الذي عُرف وتميز من بين أقرانه الاقتصادات الأوروبية بالمتانة والجدية البعيدة عن مثل هذه «التوريطات الوطنية» التي تنتسب لما يسمى «الاقتصاد النهبي»

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"