لبنان ما زال في عين العاصفة

01:58 صباحا
قراءة 4 دقائق

المبادرة الفرنسية حيال لبنان تترنح.. والمبادرة العربية لا تزال في ضمير الغيب.. والمبادرة الأمريكية غير موجودة أصلاً، لأن اهتمامات واشنطن في مكان آخر: الانتخابات الرئاسية، مواجهة اجتياح جائحة «كورونا»، مصالح إسرائيل والمنازلة مع إيران وحلفائها.. إضافة إلى عقم المعالجات المحلية في ظل حوار طرشان يسود علاقة الأفرقاء اللبنانيين، مع بعضهم بعضاً..
هذا هو باختصار ما يعوق تجاوز الواقع اللبناني الذي ولغ في مستنقع التعقيدات الدولية، والإقليمية التي ينوء بثقلها هذا البلد الصغير المبتلى بالطائفية، والمذهبية، والفساد، والمحسوبية.. إنه مشهد «تراجيدي» يلجأ فيه اللاعبون إلى كل الوسائل المشروعة، وغير المشروعة، لإلغاء بعضهم بعضاً..
وعلى الرغم من التزام باريس مواصلة مبادرتها في لبنان على لسان الرئيس، إيمانويل ماكرون، على الرغم من الاتهامات التي وزعها بنسب متفاوتة على القوى السياسية، والتي لم توفر أحداً، فإنها تأمل أن تنشأ أحوال تسمح لها بإعادة إنتاج مشروع صيغة يقبل به الأطراف اللبنانيون، فالمحادثات التي أجراها السفير الفرنسي في لبنان، برونو فوشيه، ومسؤول العلاقات الدولية في «حزب الله» عمار الموسوي، أواخر الأسبوع المنصرم، دلّت إلى أن المبادرة معلقة حتى إشعار آخر وسط تأكيد الطرفين أن العلاقة بينهما مستمرة، فلا تجميد، ولا إنهاء لها.

أسئلة بلا أجوبة

في المقابل، فإن كل المعطيات تشير إلى أن اللقاء «الجوي» بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، وهما في طريقهما بالطائرة، يوم الاثنين الماضي، إلى الكويت للتعزية بأميرها الراحل، تخلله بحث بينهما في موضوع تشكيل الحكومة الجديدة. وتقول أوساط متابعة إن الرئيس عون يتابع الوضع على الأرض بانتظار أن تنجلي بعض المعطيات التي تسمح له بالدعوة إلى «استشارات تكليف»، قبل الدعوة إلى الاستشارات الملزمة، وتستدرك الأوساط نفسها بالسؤال: لكن على أي أساس ستجرى هذه الاستشارات؟ هل لتشكيل حكومة «تكنو سياسية»، كما اقترح رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، تجمع ما بين المبادرة الفرنسية والمنادين بحكومة سياسية من اختصاصيين تلتزم ببرنامج إصلاحي واضح، وتكون محصنة بغطاء سياسي؟ من سيكون رئيس الحكومة العتيدة: هل أحد أعضاء نادي رؤساء الحكومات السابقين، أو شخصية من الطائفة السنية يختارها هؤلاء كما حصل بالنسبة إلى تسمية السفير مصطفى أديب؟
هذه الأسئلة لا تزال مطروحة في ظل غياب تصور واضح لدى الجانب الفرنسي صاحب المبادرة، وتشدّد الجانب الأمريكي الرافض لإشراك «حزب الله»، وأي شخصية وإن كانت غير حزبية ولكن قريبة منه، أو على علاقة معه ولو عرضية، في الحكومة المنتظرة.
بعد ذلك، تضيف الأوساط نفسها: هل تنجح الاتصالات في إزالة الألغام المزروعة على طريق ولادة الحكومة؟ سؤال بلا جواب وفقا لهؤلاء، بعدما دُولت مسألة التشكيل، إذ يرجحون أن ولادة الحكومة العتيدة ستطول، كما أنها قد تتلازم مع الانتخابات الأمريكية.

خطر «داعش»

هذه التطورات الحكومية تترافق أيضاً مع وضع أمني حذر، ومع عودة معلنة للإرهاب، كأنه لم يكف لبنان ما حل به من أزمات سياسية واقتصادية، فاقمها انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/ آب المنصرم، والحريق الكبير الذي تلاه بعد فترة وجيزة، حتى شهد ظهوراً لخلايا «داعشية» في شمالي لبنان، قامت بأعمال قتل، وسلب، وتخريب، دفع ثمنها مواطنون أبرياء في بلدة كفتون في الكورة، وجنود من الجيش اللبناني في مدينة طرابلس، وفي عكار، لكن التعاون بين قوى الأمن الداخلي ‐ شعبة المعلومات والجيش، أدى إلى اجتثاث واحدة من أخطر الخلايا الإرهابية والقضاء عليها في منطقة وادي خالد على الحدود مع سوريا.

ترسيم الحدود مع إسرائيل

على صعيد آخر، لا بد من الإشارة إلى أن ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل الذي أعلن عن بدء المفاوضات في شأنه الرئيس نبيه بري، جاء ليخرق الجمود السياسي الناتج عن بلوغ الأزمة الحكومية الطريق المسدود.. فقد أعلن رئيس المجلس النيابي عن اتفاق إطار، أما التفاصيل، فهي شأن الجانبين اللبناني والإسرائيلي، اللذين سيجتمعان تحت علم الأمم المتحدة، وبرعاية أمريكية، وهي مفاوضات ستطول، وتتخللها الكثير من التفاصيل الدقيقة التي ينبغي التنبه لها، خصوصاً أن اتفاق الترسيم هو أكثر تعقيداً من اتفاق الإطار الذي استغرق عشر سنوات. ويؤكد الجانب اللبناني أن واشنطن وافقت، وأقنعت إسرائيل بوجوب تلازم ملفي الحدود البرية، والبحرية، وألا يكون التفاوض مباشراً، بل عبر وفد الأمم المتحدة التي تستضيف المفاوضات في الناقورة. الوفد اللبناني سيكون برئاسة ضابط هو العميد الركن بسام ياسين، يعاونه فريق من الأخصائيين العسكريين، والمدنيين. وسيتابع رئيس الجمهورية، العماد ميشال عون، وقائد الجيش العماد جوزيف عون، المفاوضات لحظة بلحظة، والتي سيواكبها رئيس المجلس النيابي نبيه بري. أما التعليمات المعطاة للوفد فهي: لا تنازل عن شبر من الأرض براً، ولا تنازل عن قطرة مياه ونفط بحراً، وتترافق هذه التعليمات مع إصرار على التأكيد أن المفاوضات هي لاستعادة حق لبنان في أرضه، ومياهه فقط. فلا تطبيع، ولا اتفاق سلام الآن، إذ إن لبنان هو آخر من يوقع هذا الاتفاق، وهو متمسك بمبادرة بيروت للسلام، وأساسها حق العودة ورفض التوطين.
.. إن لبنان يعيش في عين العاصفة، ولا يزال يعاني، فهل يحصل خرق ما في طالع الأيام؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"