في انتظار كامالا هاريس

03:50 صباحا
قراءة 4 دقائق
عبدالله السناوي

إذا ما قدّر للمرشح الديمقراطي جو بايدن حسم الانتخابات الأمريكية مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، على ما تتوقع استطلاعات الرأي العام المتواترة، فإن نائبته على بطاقة الترشح «كامالا هاريس» قد يتجاوز دورها بجواره ما هو معتاد ومألوف في تقرير السياسات الأمريكية.

بعوائق السن يصعب على «بايدن» التفكير في ولاية ثانية، إذا ما فاز في الانتخابات الحالية، فهو الآن في الثامنة والسبعين من عمره.

وإذا سارت الأمور حسب استطلاعات الرأي العام، فإننا في انتظار «كامالا هاريس» عند ثلاث محطات مفترضة لا يمكن استبعاد أي منها.

الأولى، نائبة رئيس تتمتع بنوع من الشراكة في صنع السياسات، لا محض سيدة سمراء من أسرة مهاجرة، الأم من جذور هندية والوالد من جامايكا، وضعت على بطاقة الترشح لاجتذاب أصوات الأقليات.

الثانية، رئيسة بقوة الدستور إذا ما طرأ للرئيس عارض صحي، أو قانوني يمنعه من تولي مهامه.

والثالثة، رئيسة بالانتخاب بعد أربع سنوات عندما تكون قد وصلت إلى الستين من عمرها، إذا ما صادفت تجربة الحكم نجاحاً يعتد به في ترميم علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها الأوروبيين، وإدارة الصراعات الاقتصادية مع التنين الصيني وتخفيض التوتر العرقي الداخلي.

وبالحساب العرقي في بلد متنوع يعاني وطأة العنصرية، فإنها أول سيدة سمراء مرشحة موضوعياً، أن تصل إلى الموقع الأول في النظام السياسي الأمريكي.

وبالحساب التاريخي فإنه من غير المستبعد أن تكون الشخصية السادسة عشر في قائمة من صعدوا من ظل الرئيس إلى المكتب البيضاوي.

وإذا ما طالعت قائمة نواب الرئيس بعد الحرب العالمية الثانية، الذين صعدوا للموقع الأول، فإنها تضم رئاسات فوق العادة، ك«هاري ترومان»، و«ليندون جونسون»، و«ريتشارد نيكسون»، و«جيرالد فورد»، و«جورج بوش» الأب.

إلى أي حد، وفي أي اتجاه، وبأية سياسات دولية وداخلية يمكن أن تمضي القوة العظمى الأمريكية في عالم جديد تطرح حقائقه احتمالات تراجعها؟ وما مدى انعكاسها على ملفات وأزمات الإقليم الأكثر اشتعالاً بالحروب والنيران؟

هناك ما هو ثابت بحكم المصالح والاستراتيجيات شبه الراسخة، وهناك ما هو متغير بحكم طبائع الرئاسات والأولويات التي تتبناها، وقدر ما تتمتع به من كفاءة.

نكاد لا نعرف شيئاً له قيمة عن السيدة القوية القادمة إلى البيت الأبيض، ما لم تحدث معجزة ما في اللحظات الأخيرة تنقذ فرص الرئيس الحالي «دونالد ترامب».

إحدى مشاكلنا تغليب الأهواء على الحقائق، وغياب الانفتاح على التنوع السياسي الأمريكي، كأن الولايات المتحدة إحدى دول العالم الثالث يحكمها رجل واحد.

قبل صعود الرئيس «بيل كلينتون» اقترح الدكتور «إدوارد سعيد»، الذي كان على صلة قوية ببعض أركان فريقه الانتخابي على شخصية فلسطينية مقربة من «ياسر عرفات» تولت لبعض الوقت ملف السياسة الخارجية الفلسطينية، فتح قنوات اتصال مع المرشح الديمقراطي، فقيل له بالحرف: «بوش يزعل».. شيء من تلك المقاربة تحدث الآن.

كانت الإطلالة التلفزيونية ل«كامالا هاريس» في المناظرة الوحيدة التي جمعتها بنائب الرئيس الحالي «مايك بنس»، أقرب إلى بطاقة تعارف.. شخصيتها، تفكيرها، والمبادئ التي تحكمها.. قدرتها على التعبير عن نفسها، ومدى تدفقها، وقدرتها على الإقناع.

بدت مختلفة، حيويتها ظاهرة، معبراً عنها بحركة يديها التلقائية، تنقصها خبرات الدولة، وهذه مسألة وقت تحتاجه إذا ما قدر لها أن تدخل البيت الأبيض.

تقليدياً، لا تحظى المناظرات بين نواب المترشحين للرئاسة على اهتمام كبير، أو نسبة متابعة عالية، غير أن هذه المرة، شأن كل شيء آخر في هذه الانتخابات، جرت الأمور بصورة مختلفة.. ارتفعت نسب المشاهدة بفوارق كبيرة عن أية مناظرات مماثلة سبقتها.

كانت مناظرة النائبين المرشحين أقرب إلى أعمال الوكالة بعد إصابة «ترامب» بوباء «كورونا» المستجد.

والملفات التي كان من المفترض أن تطرح على الرئيسين المرشحين أحيلت إلى نائبيهما، شاملة إدارة أزمة «كورونا» التي أصابت أكثر من (750) ألفاً، وأماتت أكثر من مئتي ألف مواطن أمريكي، وأزمة العنصرية المتجذرة، الأمن والقانون، والصراع مع الصين، وتعيين قاضية محافظة في المحكمة العليا قبل إجراء الانتخابات الرئاسية بأقل من شهر.

كان ذلك حملاً ثقيلاً على النائبين المرشحين. كلاهما التزم موقف رئيسه، دافع عنه، ولم يتناقض مع أي أطروحة تبناها.

استخدمت مهارتها كسيناتورة محنكة في مجلس الشيوخ ومدعية عامة سابقة للنيل منه بقسوة، لكن متطلبات موقعها الجديد استدعت الدفاع عنه.

في أوضاعه الانتخابية الصعبة لم يطق «ترامب» صبراً حتى انتهاء المناظرة. أصدر أحكامه عليها قبل انتهائها معلناً فوز نائبه «بنس» بها.

وكتب تدوينة أضفت على أداء «بنس» صفتي «العظمة»، و«الروعة»، فيما وصف أداء منافسته بأنها «ماكينة من الأخطاء».

وفي الوقت نفسه صعّد من حدة انتقاداته مع من يعتبرهم خصومه الرئيسيين: «باراك أوباما»، و«هيلاري كلينتون»، و«جو بايدن»، واصفاً إياهم بالخيانة.

كان ذلك نوعاً من الرد المستعجل على ما قالته «هاريس» وحاولت أن تثبته بالأرقام والوقائع أن «إدارته أفشل إدارة رئاسية في التاريخ الأمريكي».

أراد بتدخله المستعجل في مناظرة النائبين المرشحين أن يجذب الأضواء إليه وحده، فهو موضوع الصراع الانتخابي، ومستقبله في البيت الأبيض معلق على معجزة ما تقلب الحسابات في اللحظات الأخيرة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"