عقبال خمسمئة سنة

19:05 مساء
قراءة دقيقتين

كم يلوح الزمن قصيراً جدّاً وطويلاً جدّاً في آن، حين يعود المرء بالذاكرة إلى ثمان وأربعين سنة؟مطلع سنة 1972 حظيت بالكتابة في زاوية الصفحة الأخيرة من جريدة «الخليج»، حين كانت تطبع مؤقتاً في«مؤسسة فهد المرزوق الصحفية» في الكويت. كنت أيامها مترجماً من الفرنسية في مجلة «أسرتي»، ما جعلني أوقّع العمود باسم «ابن العربي»، وهو والد جدّي والرابع في التعريف العائلي الطويل. كان«مكتوباً على الجبين» أن تصير تلك الخطوة الأولى طريق الألف ميل مع أيقونة الصحافة الخليجية، رضوان المولى على مؤسسيْها الراحلين تريم وعبدالله عمران تريم.
 من دعابات الأعمدة التي كتبها القلم في تلك المدّة الوجيزة، ما كان أيام استعداد الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون لزيارة الصين، في خطة كيسنجرية بعيدة الأبعاد في سني الحرب الباردة، لكنه لم يقرأ في صفحات المقادير مشاهد العلاقات مع التنين حاضراً ومستقبلاً. آنذاك أشار بعضهم على صاحب البيت الأبيض بضرورة دعوة المفكر الأديب الفرنسي أندريه مالرو، لكونه صديقاً للزعيم ماو زيدونج (النطق الأدق بالصينيّة)، كما أنه الأعلم بشؤون الشرق الأقصى. مالرو يعرف جيّداً من أين تؤتى أبواب الحوار مع صاحب «المسيرة الكبرى». محاورة رجالات التاريخ مالكي القرار الأوّل والأخير، لها مفاتيح، لها مداخل ومغالق، لها جسور ولها ما يقطع السبل، لها ما يفتح الفراديس ولها ما تندلع حروبه الباردة والحامية.
 في ذلك العمود تخيّل القلم أندريه مالرو وقد لعب برأسه مارد الديجوليّة، فماذا لو سخّر عبقريته الأدبية وسحر خياله وبيانه، في تلقين نيكسون كل ضدّ ونقيض لشخصية ماو، فإذا الرئيس الأمريكي يلقى ماو بكل ما يستفزه، يثير سخطه وغيظه، ويوغر صدره؟ انتهى العمود من دون أيّ ذكر لما يمكن أن يحدث فخيال القارئ رحب الآفاق. قد تبدو تلك الدعابة واقعية في تصوّرها، فمن كتاب«كليلة ودمنة» إلى أمثولات الشاعر الفرنسي لافونتين، وما بينهما من مؤلفات ونصوص في تاريخ الدسائس والأحابيل والنصائح المكيافلليّة، ما يشكّل مكتبة مترامية الأجنحة. أجل، ففي مقدّمة الثعلبيات السياسية والدبلوماسية، الأدوار التي لعبها هنري كيسنجر بالذات والصفات.
 لزوم ما يلزم: النتيجة الزمنية: في العمود يستطيع القلم اختزال ثمانية وأربعين عاماً من الذكريات والمشاعر. عقبال 500 سنة أيتها «الخليج».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"