انفراجة ليبية في جنيف

01:09 صباحا
قراءة دقيقتين

الأخبار الواردة من المحادثات العسكرية الليبية بجنيف تشير إلى إمكانية تسجيل اختراق جوهري لحل الأزمة، إذا كتب للمقررات المتفق عليها التنفيذ بنجاح ونجت من دواليب العرقلة من الداخل والخارج، وهو ما يفسر تصريح المبعوثة الخاصة للأمم المتحدة إلى ليبيا بالوكالة ستيفاني وليامز التي قالت إنها «متفائلة إلى حد ما» بالتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار.

  هذا التطور لم يكن مفاجئاً، إذ لم يكن ممكناً ألا تسفر الاجتماعات الليبية الماراثونية طيلة أسابيع في المغرب ومصر وتونس وسويسرا عن أي شيء، لأن ذلك سيجعل منها جولات عبثية ستصيب الدبلوماسية الدولية بالإحباط ، بينما يشير الواقع إلى وجود رغبة متعاظمة من قبل مختلف الأطراف على إنهاء هذه الأزمة التي لبدت أجواء جنوب المتوسط وعطلت مسارات التنمية والتعاون والاستقرار في الشمال الإفريقي كله.

  دليلان آخران يؤكدان أن الفرقاء في ليبيا بلغوا درجة مطمئنة من الوعي، الأول عبّر عنه نائب رئيس حكومة «الوفاق» أحمد معيتيق بتأكيده أن طرفي النزاع سيتعاونان قريباً لوضع ميزانية موحدة للبلاد. والثاني تصريح مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الوطني خالد المحجوب الذي أشار إلى أن الحوار في جنيف كان مسؤولاً ووضع مصلحة ليبيا فوق كل اعتبار. وقد تكون نبرة التهدئة الملاحظة متفقاً عليها، ولكنها تشير بما يدع مجالاً للشك إلى أن الأزمة التي اختنقت بها البلاد تسع سنوات غادرت مرحلة الجمود والتناحر وأقلعت باتجاه إيجاد تسوية دائمة أساسها الحفاظ على مصلحة ليبيا ووحدة أراضيها وكرامة شعبها الذي مازالت نسبة منه مشتتة في المنافي.

  ضمانة التوصل إلى حل دائم، تتأسس على وعي الليبيين أنفسهم بخطورة المرحلة والتهديدات الكامنة في كثير من التفاصيل، وعندما يتفقون على خروج كل القوات الأجنبية والمرتزقة خلال 90 يوماً، وفتح المعابر البرية والخطوط الجوية، وإعادة هيكلة حرس المنشآت البترولية لتأمين استمرار تدفق النفط ، يشيعون بذلك أجواء مشجعة على تنفيس الاحتقان وإخماد نعرات الكراهية والعداء التي استفحلت في السنوات الماضية، ولعبت أطراف خارجية عدة على إذكائها وجعلها «ثقافة» بين الليبيين. 

   اليوم يمكن التفاؤل بأن تلك الخطط المشؤومة أخذت طريقها إلى السقوط، فركام سنوات من الفوضى والكراهية ومحاولات التفكيك لن ينجلي بين ليلة وضحاها، خصوصاً أن هناك أسافين عديدة لم يتم نزعها بعد، ومنها التدخل التركي في الأزمة، والميليشيات المعتصمة بسلاحها، والتي تتخفى خلفها جماعات إرهابية خطيرة وأجندات تدميرية. 

  ما توصلت إليه المحادثات العسكرية المعروفة بصيغة «5+5» هي قطاف في مسار واحد إلى جانب المسارين الاقتصادي والسياسي المنبثقة عن مؤتمر برلين 2020 وتبناها مجلس الأمن. وبعد الانفراجة العسكرية، يمكن أن يأتي الجديد من المسارين الآخرين لتكمل بعضها بعضاً وتطوي صفحة قاتمة ليس في تاريخ ليبيا فحسب، بل والمنطقة بأسرها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"