عادي

أربعة عقود.. وسنة.. في «الخليج»

16:07 مساء
قراءة 3 دقائق
احمد الجمال

 

أحمد الجمال: 
عشت – بكامل معنى الكلمة – الإصدار الثاني لصحيفة «الخليج»، إذ وقّع الأستاذ تريم عمران عقد عملي في الأول من أكتوبر 1979، بعد أن التقينا في دار أخ كبير رفيع القدر، سامي المكانة، في الشارقة، حيث حللت ضيفاً عليه، ومنذ 29 سبتمبر 1979 إلى نوفمبر 1985، تاريخ انتقالي لمكتب الدار بالقاهرة، لم نفترق – الأستاذ تريم وكاتب هذه السطور - إلا لضرورات كالسفر، وصاحبته في كل الخطوات ابتداء من تجهيز المقر القديم بشارع الوحدة، واستخراج تأشيرات قدوم الدفعة الأولى من الصحفيين والفنيين، ومعاينة مطبعة باقر خريبط التي طُبِعَت فيها نسخ تجريبية، وقدمني الأستاذ تريم إلى شقيقه بل «توأمه» الأستاذ عبدالله «الدكتور»، حيث كانا يقطنان منزلين متجاورين.
وفي نوفمبر 1979 كلفاني بالسفر إلى بيروت للاتفاق مع طلال سلمان رئيس تحرير صحيفة «السفير»، على شراء نسخة من أرشيف صحيفته، لتكون نواة أرشيف «الخليج»، وللاتفاق مع مجموعة من الكتاب، منهم - على ما أذكر - حازم صاغية، ووليد شقير، وأنيس نقاش - الذي كان أول مراسل لـ«الخليج» في لبنان - وتوالى قدوم الزملاء، وفي المقدمة محمد محفوظ صاحب الدور الأساسي المهم في الإصدارين الأول عام 1970، والثاني 1980، وكان كاتباً ورساماً ومخرجاً.
واحد وأربعون عاماً عشتها في «الخليج» بين مقرها الرئيسي وبين مكتبها في القاهرة، وأستطيع أن أزعم أن ما جرى في تلك السنين يستحق كثيرٌ منه أن يكون بحثاً أو دراسة وربما رواية أدبية.
ثم أشهد – وليس أزعم – أن المصاعب والمشاكل التي أدار آل عمران مواجهتها، كانت كفيلة بإنهاء التجربة مبكراً، ولأنها مصاعب ومشاكل ضخمة، فإن النجاحات والتميزات كانت بحجمها، لتصبح «الخليج» الصحيفة الأولى في منطقة الخليج، ومن أبرز الصحف في الوطن العربي.
ثم إنني في مأزق، قد لا أستطيع تجاوزه، وكذلك من هم مثلي ممن عاشوا التجربة من بدايتها، وهو عدم القدرة على الفصل بين الذاتي وبين الموضوعي، لأن مسيرة الإصدار الثاني لـ«الخليج» هي مسيرة كل واحد ممن شاركوا.. كلٌّ يستطيع أن يتحدث عن دوره وعلاقته وكأنه يتحدث عن صميم مسيرة الصحيفة، ولذا ألتمس العذر من القارئ إذا نضحت الذاتية أكثر من اللازم.
لقد تميزت «الخليج» بالمزج المتفرد بين الرأي وبين الخبر، وبين الجدية والرصانة المتجهمة أحياناً، وبين المنوعات الخفيفة والتحقيقات الثرية، ثم جمعت وببراعة بين الاهتمام بقضايا الإمارات والوطن العربي وبين عمق الاهتمام بواقع المجتمع الإماراتي على كل الصعد.
ثم قدمت نموذجاً يحتذى في صفحات الرأي، حيث كتاب المقالات والأعمدة من الإمارات، ومن مختلف الأقطار العربية، وأذكر التنوع الفريد الذي ضم عصمت سيف الدولة، وأمين هويدي، ومحمد أحمد خلف الله، وصلاح حافظ، وجميل مطر من مصر. ومنح الصلح، وعصام نعمان، وإلياس سحاب وغيرهم من لبنان. ومحيي الدين صابر، ومحمد أبو القاسم من السودان، وهلم جرا من بقية كتاب الأمة العربية.
وقدمت «الخليج» نموذجاً ثرياً للملاحق الأسبوعية في الثقافة والاقتصاد والصحة، وغيرها من الملاحق، وكان كل ملحق صحيفة بذاته من حيث المحتوى وعدد الصفحات.
وفي مسيرة «الخليج» تعددت المعارك الثقافية والأدبية والسياسية، وأستطيع أن أقول إن «الخليج» واجهت من وقت مبكر التوجهات الأصولية المتأسلمة، في زمن امتلكت فيه تلك التوجهات منصات ومواقع مؤثرة في المجتمع، وأذكر معركة مناهج التربية والتعليم، ومعركة التجديد في الفكر الإسلامي وغيرهما، وهنا لا بد من نسبة الفضل لأصحابه، إذ وجدت «الخليج» من يصدَّ عنها وبقوة، هو صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وفي ذلك وقائع لا يتسع المجال لذكرها.
بقيت «الخليج» صامدة في التزامها الوطني والقومي، وبقيت قيادتها تريم وعبدالله عمران، ثم عبدالله عمران قادرة على إدارة الدفة وتأمين السفينة في أوج عواصف كثيرة، والمسيرة الآن وعلى رأسها خالد عبدالله عمران وأشقاؤه ستمكن «الخليج» المؤسسة بإصدارتها من الاستمرار رغم تغير الظروف على كل الصعد.

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"