السياسة الإفريقية والأخلاق

22:13 مساء
قراءة 8 دقائق
السياسة الافريقية
السياسة الافريقية
السياسة الافريقية

عن المؤلف

الصورة
الكاتب
مونيارادزي فيليكس موروف
مونيارادزي فيليكس موروف

تأليف: مونيارادزي فيليكس موروف

عرض وترجمة: نضال إبراهيم

تعدّ الأخلاق الإفريقية جزءاً راسخاً من الخطاب الخلافي السياسي الإفريقي في فترة ما بعد الاستعمار. يسلط هذا الكتاب الضوء على مختلف القضايا السياسية الإشكالية في إفريقيا جنوب الصحراء، وكيفية تطبيق الأخلاق الإفريقية في السياسة بطريقة أفقرت المجتمعات، وألحقت الدمار بالبنى الاقتصادية والاجتماعية والنفسية.

السؤال الرئيسي الذي يسعى هذا الكتاب إلى الإجابة عنه هو: هل القيم الأخلاقية التقليدية الإفريقية تعد دواء ناجعاً لجميع المشكلات السياسية الإفريقية الحديثة؟ يبدأ بمناقشة موجزة لنطاق الأخلاق الإفريقية، ويوضّح كيف تم تطبيق القيم الأخلاقية الإفريقية من قبل سياسيي ما بعد الاستعمار في إعادة بناء مجتمعاتهم. علاوة على ذلك، ينظر المؤلف بشكل نقدي إلى قضية الفقر الإفريقي، وكيف أن أخلاقيات التكامل الإقليمي والتعاون الاقتصادي بين الدول القومية الإفريقية في فترة ما بعد الاستعمار كان له الدور الفعّال في الجهود الرامية إلى التغلب على بلاء الفقر.

 سؤال وجواب

 يسأل الكاتب في بداية العمل: «لماذا الكتابة عن السياسة والأخلاق الإفريقية؟» يجيب: «من الاستعمار إلى ما بعد الاستعمار، ظلت السياسة هي العامل المسبب الرئيسي لكل ما حدث من خطأ في مجتمعاتنا الحالية ما بعد الاستعمار في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. معظم العلل الاجتماعية مثل الفساد والفقر والتخلف الاقتصادي وسوء الحكم والحروب الأهلية هي مشاكل إفريقية بارزة لها أصولها في السياسة. كانت القارة من الاستعمار إلى ما بعد الاستعمار، في حالة أزمة دائمة؛ لأسباب ظلت مجهولة، لم يُكتب سوى القليل عن السياسة والأخلاق في إفريقيا ما بعد الاستعمار، على الرغم من أن السياسة كانت العامل الأول في تدمير حياة الناس. في الوقت الذي وُصفت إفريقيا بأنها غنية من حيث القيم الأخلاقية، فإن التضاريس السياسية لا تزال تتسم بالعقم الأخلاقي».

ويذكر الكاتب أنه «على الرغم من أن العلماء من مختلف التخصصات قدموا حلولاً مختلفة للمشكلات السياسية في إفريقيا، لا يبدو أن أياً من هذه الحلول قد نجح. لاحظ أحد الأكاديميين ذات مرة أن مشكلة إفريقيا تكمن في أن أولئك الذين هم في السلطة السياسية، عادة ما يكونون غير متعلمين أو متعلمين بشكل ضعيف، بينما لا يتمتع المتعلمون بالسلطة السياسية. هذه الملاحظة قاطعة تماماً؛ لأن السلطة السياسية كانت حكراً على الشخصيات التي تفتقر إلى التعليم بدلاً من المتعلمين جيداً؛ لكن مرة أخرى، لا يمكن استمرار هذا الادعاء؛ لأن القادة السياسيين المتعلمين في إفريقيا تصرفوا بطريقة تسببت في معاناة إنسانية لا توصف. ولا يحتوي المجال السياسي على ثقافة الاحتراف؛ لأن السياسة في السياق الإفريقي تشترك في الكثير من أوجه التشابه مع ثقافة العصابات الحضرية».

ويضيف: «ساهم غياب المهنية في ممارسة السياسة إلى اقتناع العامة بأن الأخلاق والسياسة متناقضان؛ لأن المرء لا يمكن أن يكون أخلاقياً، ويتمتع في نفس الوقت بمهنة سياسية ناجحة. في السياسة، الغاية تبرر الوسيلة؛ لأن أي تكتيك يستخدمه السياسي ضد خصومه؛ يكون مبرراً على أساس القدرة الإيجابية للنتائج. كان السياسي الألماني أوتو فون بسمارك يقول إن (السياسة هي فن الممكن!) وهذا يعني أنه داخل الساحة السياسية، يمكن استخدام كل ما يمكن اعتباره ممكناً؛ لتعزيز أهداف المرء السياسية. عادة ما تكون التحالفات مع الخصوم السياسيين مقبولة بقدر ما يمكن أن يساعد هذا التحالف في تعزيز المصالح السياسية للفرد».

 ويشير إلى أنه دُعي ذات مرة إلى إلقاء محاضرة عن الأخلاق والحوكمة والقيادة لمجموعة من موظفي الخدمة المدنية في مقاطعة في جنوب إفريقيا، يقول: «في وقت الغداء، اتصل بي رجل ودود للغاية قدم نفسه على أنه سياسي من الحزب الحاكم وعضو في البرلمان. صافحني وعانقني؛ تقديراً لحديثي وأخبرني لاحقاً أنه لو كان أتيح لجميع السياسيين والموظفين المدنيين حضور ورش العمل هذه فقط، فسيكون المجتمع مكاناً أفضل بكثير. ومع ذلك، فقد مضى يخبرني أن السياق السياسي كان مختلفاً تماماً؛ لأن كل تلك المُثُل حول القيادة الأخلاقية لا يُنظر إليها؛ من حيث تغيير حياة السياسي الفردي، وبدلاً من ذلك، فإن المثالية السياسية؛ ستكون استخدام الأخلاق كأسلوب للتقييم السياسي».

 ويعلق على ذلك: يبدو أن السياسيين ليس لديهم الشعور بالقلق على رفاهية الأشخاص الذين يقودونهم. ليس من المستغرب أن الناس قد اعتادوا الآن على إطلاق صفات وعبارات عن السياسيين من قبيل: (ماذا تتوقع من السياسي؟)، (لا تصدق ما يقوله)؛ (السياسة لعبة قذرة) و(هو سياسي محترف). تشير هذه الصفات إلى أن السياسيين في إفريقيا يكرهون الأخلاق ومعظم الفضائل الاجتماعية؛ مثل: الجدارة والصدق والشهامة والتعاطف، على سبيل المثال لا الحصر. يبدو أن جميع الصفات المذكورة أعلاه، تشير إلى أن السياسة لا علاقة لها بالأخلاق. في سياق مثل السياق الإفريقي ما بعد الاستعمار، نجده يتميز في الأغلب بالفقر المدقع، والحكم السيئ وثقافة المساءلة السيئة والفساد المستمر، ولا يمكن المبالغة في تأكيد الحاجة إلى الأخلاق في السياسة الإفريقية.

 تدهور عام

 يقول الكاتب: كما لو أن ما حدث لا يكفي، نجد أن التدهور البيئي يمارس حالياً ضغوطاً غير مسبوقة على البشر، وكذلك على السكان الأصليين. في إفريقيا ما بعد الاستعمار، أدت ممارسة السلطة السياسية إلى تفاقم في وجود العلل الاجتماعية المذكورة أعلاه؛ لأن السلطة السياسية تُمارَس بطريقة تؤدي إلى إفقارهم وتجريدهم من قوت يومهم؛ بحيث يصبحون في التحليل النهائي غير قادرين جسدياً وعقلياً على التعامل بفاعلية مع مشاكلهم الوجودية. لقد فشلت التيارات السياسية الدينية بشكل مذهل في تزويد المجتمع بقيادة أخلاقية قوية؛ بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية التي حاصرت إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حتى وقع العديد من الناس فريسة الشكل الجديد للسلطة الذي يستعرضه بعض من أمثال مؤسسي حركة الخمسينية المسيحية الإفريقية الجديدة (الخمسينية، بحسب موقع واي باك مشين، هي حركة دينية بروتستانتية ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية وانتشرت في العالم، تشدّد على حرفية الكتاب المقدس، وتأكيد الصرامة الأخلاقية. يربط تأسيسها بالقس تشارلز إف بارهام (1873-1929)، ووليام جي سيمور (1870-1922). والمسيحيون الخمسينيون ليسوا مجبرين على التخلي عن كنائسهم الأصلية التي ينتمون إليها في حال انتمائهم للحركة الخمسينية.).

 يعلق الكاتب: إن هؤلاء القادة الجدد غرقوا في الوقت الحالي؛ بسبب إحالة تلك الأمراض المخيفة التي لا يمكن علاجها حالياً إلى عقاب القوة الإلهية من دون التعمق في الجذر الأصلي للمشكلات، وإيهامهم بأن الازدهار المادي للأغلبية الإفريقية البائسة اقتصادياً قريب دون عمل فعلي على ذلك. وإلى جانب ترويجهم هذا الخطاب، نجد أن قادة الخمسينية أصبحوا أقوياء وأثرياء للغاية؛ بحيث يمكن لأتباعهم وللسياسيين على حد سواء فعل أي شيء لأجلهم. في بعض الأحيان، القادة الأفارقة الخمسينيون الجدد كانوا يعلنون عن توقعات على وسائل التواصل الاجتماعي، تتعلق بمستقبل القادة السياسيين الأفارقة وثروات الدول. على الرغم من أن توقعاتهم لم تتحقق دائماً، فإن أتباعهم يؤمنون بها من دون أدنى نقاش. يتمثل أحد الدوافع الشائعة في هذه الرسائل لقادة الخمسينية الأفارقة في مشاركة الدين في الشؤون السياسية للبلد، وأن كل ما يحدث هو جزء لا يتجزأ من خطة الرب الكبرى. في الواقع، لا يهتم قادة الخمسينية كثيراً بالأخلاق؛ بل تكمن مصلحتهم الرئيسية في فرض السلطة. في هذا الصدد، لم تساعد أنشطتهم الدينية على إحداث تحول اجتماعي وديني واقتصادي. إن انتشار الكنائس الخمسينية في إفريقيا؛ يسلط الضوء على أهمية الأخلاق؛ لأن بعضاً من قادة التيارات الدينية لا يمتلكون من الأخلاق أدناها. كانت الأخلاق الإفريقية جزءاً لا يتجزأ من الخطابات السياسية للقوميين ما بعد الاستعمار مثل الرئيس الأسبق لغانا كوامي نكروما ورئيس السنغال الأسبق ليوبولد سنغور، والسياسي التنزاني الأسبق جوليوس نيريري، والرئيس الزامبي الأسبق كينيث كاوندا، وأحمد سيكو توري رئيس غينيا الأسبق.

 نوايا حسنة ونتائج كارثية

 في ضوء كتابات القوميين الأفارقة، فإن الادعاء الشعبي بأن الأخلاق والسياسة غير متوافقين لا يمكن أن يستمر مع الإفلات من العقاب. على سبيل المثال، على الرغم من أن نكروما ونيريري كانا على درجة عالية من الحساسية لأخلاقيات المصلحة العامة، فإنه مع النوايا الحسنة أخلاقياً لديهم انتهى بهم الأمر إلى إفقار مجتمعاتهم. أدت التجارب الاستعمارية من القهر ونزع الصفة الإنسانية إلى شحذ خيالهم الأخلاقي في إعادة بناء مجتمعاتهم ما بعد الاستعمار.

 يقول الكاتب: ظلت السياسة والأخلاق في الشكل الأخلاقي للإنسانية الإفريقية التقليدية متشابكة. قادت حكومة ما بعد الفصل العنصري بقيادة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في جنوب إفريقيا برنامج التجديد الأخلاقي الذي أطلق عليه اسم حركة التجديد الأخلاقي التي كان هدفها رعاية ثقافة الحساسية الأخلاقية في جميع مجالات الحكومة والمجتمع ككل. في المجتمعات الإفريقية التقليدية، بالكاد يمكن للمرء أن يكون قائداً من دون التزام حقيقي بالقيم الأخلاقية العامة للمجتمع.

 ويشير إلى أن: «الدين يلعب دوراً حيوياً في تكوين النظرة السياسية للشعوب في إفريقيا جنوب الصحراء؛ لأنه يُفترض عادةً أن السلطة السياسية تسمتد قوتها من بعض الأصول الإلهية، ولهذا السبب تعد مقدسة. ومن المرجح أن يتمتع الزعيم السياسي الذي وجد حظوة في نظر أتباع الديانات بفترة طويلة من العمل غير المنقطع في المنصب السياسي. في العالم الغربي، وخاصة مع تأثير الديانة التوحيدية اليهودية والمسيحية، أصبحت الثقافة السياسية الشمولية والتعصب شائعة، خاصة خلال العصور الوسطى من التاريخ الأوروبي. في تاريخ المسيحية في العصور الوسطى، كانت الكنيسة شمولية؛ لأنها نشرت كل قوتها في جميع مجالات الحياة الاجتماعية. إن الفكرة القائلة إن البشر يجب أن يستجيبوا فقط لهذا النوع من السلطة من خلال الخضوع يعني ضمناً أن هذا هو نوع القوة الذي يُتخيل ممارسته بطريقة تعسفية».

  تأثير التقاليد 

 في الثقافة الإفريقية، تلعب التقاليد دوراً بارزاً في الترتيب اليومي للحياة الاجتماعية. يدخل الطفل منذ صغره تدريجياً إلى تقاليد المجتمع أو القبيلة. على سبيل المثال، في الزولو كلمة «تقاليد» هي (Amasiklo)، وهي تعني الممارسات الطقسية التقليدية التي يجب مراعاتها كطريقة للتعرف إلى مراحل نمو الطفل، وكذلك تأكيد هويته والواقع الحتمي للانتماء الجماعي. من خلال هذه الطقوس، يدخل الطفل في شركة معها أو مع أسلافه والمجتمع الحالي.

 يوضح الكاتب أنه «في الحالات التي لا يتم فيها تعريف الطفل بهذه التقاليد، فمن المعتاد أن يصبح نموه في مرحلة البلوغ مشكلة؛ لأن علاقته مع أسلافه وشعوره بالانتماء إلى المجتمع أو الأسرة عادة ما يعد غير موجود، ومن ثم يُنظر إلى مثل هذا المأزق الوجودي على أنه مشكلة هوية المجتمع الحالي الذي يدين بوجوده إلى الماضي أو الأجداد، وتعد العلاقة بين المجتمع الحالي والأسلاف قائمة على مبدأ الترابط الأنطولوجي. وهذا يعني أن وجود المجتمع الحالي لا يمكن فصله عن وجود الأجداد».

 هناك اعتقاد قوي بين الأفارقة، بحسب الكاتب، مفاده أن حياة الإنسان تتميز بشكل أساسي بالترابط بين الوفيات والخلود. من خلال التقاليد، يظل الأجداد مرتبطين بأسلافهم الذين يأتون إليهم من وقت لآخر للاحتفاء بالحياة مع أسرهم. وأسلافهم يرون عموماً أن أجدادهم يحمونهم من تقلبات الحياة، وهذه الحماية عادة ما تكون مبنية على علاقات الشخص مع الآخرين والبيئة الطبيعية، وكذلك على ما إذا كان الأسلاف يحافظون على التقاليد التي ورثوها من الماضي. وهنا يُنظر إلى الأسلاف على أنهم أوصياء حاليون على تقاليد المجتمع. يوضح الكاتب خلال فصول الكتاب كيف أثر هذا الاعتقاد الإفريقي في السياسة الإفريقية وإدارتها.

 تفاصيل كثيرة

 يحتوي هذا الكتاب العميق والغني بتفاصيل كثيرة عن الحياة الأخلاقية والفلسفية لدى الشعوب والقبائل الإفريقية، وكيفية تأثيرها في السياسة الراهنة، وكيف يمكن تحقيق ازدهار اقتصادي حقيقي من خلال هذه التشابكات السياسية والأخلاقية. يقع الكتاب في 180 صفحة، وهو صادر عن دار بالجريف ماكميلان باللغة الإنجليزية في أكتوبر 2020.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

1
ميريام لانج وماري ماناهان وبرينو برينجل
جنود في كشمير
فرحان م. تشاك
1
داون سي ميرفي
1
مايكل كريبون
لاجئون سوريون في تركيا
لميس علمي عبد العاطي
1
ديزيريه ليم
1
جيمي دريبر
1
جورج ج. فيث