كم في «كورونا» من المضحكات؟

00:48 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

ليس مطروحاً للنقاش أن جائحة فيروس كورونا من أقسى ما عرفته البشرية خلال قرن من الزمان، وربما من عصر «الإنفلونزا الإسبانية» التي لم يعشها العالم بهذا الحجم من الرعب، بسبب انفتاح العالم على بعضه بعضاً، وسرعة وصول الحدث بالصوت والصورة في لحظة وقوعه إلى أرجاء الدنيا. ولا شك في أن تجربة البشرية مع هذا الفيروس ستبقى حديث الأجيال، وستحمل الذاكرة كثيراً من المبكيات، وأيضاً بعض المضحكات.

كوريا الشمالية التي أعلن زعيمها كيم جون أون، خلوّها من الفيروس، أبلغت سكان عاصمتها بيونج يانج والبعثات الدبلوماسية، بالتزام منازلهم ومكاتبهم 24 ساعة، وإغلاق نوافذها بإحكام؛ لأن عاصفة ترابية قادمة من الصين يرجح أن يتسلل بين جزيئات غبارها الأصفر الفيروس المتوحش الذي لم يقطع العلماء بإمكانية تنقله عبر الهواء، ناهيك عن الرياح العاتية والأعاصير. ومن كوريا الشمالية إلى الولايات المتحدة التي تعرف واحدة من أكثر الانتخابات الرئاسية إثارة وتشويقاً، ويلعب فيروس كورونا في مشهدها، وربما سيكون الفائز فيها، بعد فرض إجراءات استثنائية في عمليات التصويت وفق بروتوكول صحي غير مألوف، كما فرض قيوداً على التجمعات الانتخابية للمرشحين، ودخل في معركة مع المرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي أصابه وأدخله مستشفى «والتر ريد» العسكري لأيام، لكن ترامب خرج من التجربة ليعلن أنه انتصر على المرض، معتبراً نفسه «سوبرمان» يشعر بقوة أسطورية. 

وكان واضحاً أن الوباء أصبح مادة استقطاب في الانتخابات، فبينما يسعى ترامب إلى التقليل من شأنه ويحرض الأمريكيين على تحديه وحضور الاجتماعات الحاشدة، يحاول الديمقراطيون الظهور بانضباط للقواعد الصحية وتشجيع الناخبين على التصويت المبكر وتجنب مصاعب يوم الحسم في الثالث من نوفمبر المقبل.

قريباً سينجلي الوباء اللعين، وسيتم التوصل إلى عقار يقي منه، ويحفظ الأرواح أينما كانت، لكن هذه التجربة الاستثنائية ستترك آثاراً بعيدة المدى في العلاقات الإنسانية، وربما ستمنح الخصب لخيال العلماء والمفكرين والمبدعين في شتى المجالات. وستكون الطرائف حاضرة تماماً مثل المآسي، ولوعات الفقد والمعاناة. فكل تجربة لها آثارها السيئة والإيجابية، والمعركة المريرة مع كورونا ليست استثناء. وطوال الأشهر الماضية كانت التكهنات والتوقعات هي السائدة في الموقف، بينما مازال اليقين من الغيب، بعد أن عجز التطور التقني والتطور العلمي عن وضع حد لهذا الوضع الكارثي الذي يكاد أن يتحول إلى ملهاة عابرة للحدود والمجتمعات. 

بعض التوقعات يشير إلى أن هذه الجائحة ستنجلي قريباً، ولكنها ستفجر مشاكل كبيرة وفضائح تتعلق بهذا الفيروس وقوته الأسطورية التي مكنته من غزو الكرة الأرضية في زمن قياسي، وأصبح مع الوقت «طاغية» يفرض أحكامه على الجميع، فيمنع السفر ويغلق المدن والعواصم، ويفرض حظر التجوال ويلغي المؤتمرات والقمم، ويعطل الاتفاقيات التجارية والاقتصادية، ويحكم على زعماء العالم الكبار والصغار بالعزل، ويسن سياسات ما كانت لتحدث. وجمع كل هذه «المراسيم» والتفاصيل، يرسم كثيراً من المضحكات، وحتى تنكشف الصورة كاملة، يبدو أن هذا الوباء سيستبد بالبشرية قليلاً، قبل أن يسمح لها بالانعتاق من جبروته.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"