أصوات الحرب بين أمريكا والصين

00:13 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

يبدو أن العالم يتجه إلى حرب عالمية مدمرة، وهناك علامات تدل على أن هذه الحرب لا بد واقعة، ما لم تتغير النوايا والمواقف السياسية، فالقوى العظمى أضحت مصالحها متعارضة من جراء عوامل اقتصادية وسياسية وعسكرية، حيث أصبح المصير الواقعي لا يتمثل في سيادة المثل العليا والخير والأخلاق، بل يتمثل في سيادة العزيمة وسيطرة الإرادة الفولاذية للذهن الحاضر من أجل الحرب، وهو التعبير الفعال عن الإرادة العازمة على الصمود أمام المخاوف. وليس هناك من قوة تمنع هذا التعدي أو التصدي للأخطار قبل وقوعها. فالولايات المتحدة التي كسبت الحربين العالميتين الأولى والثانية والحرب الباردة، وجعلت نفسها سيدة العالم، لم تعد قادرة على المحافظة على هذه المكانة، بسبب صعود الصين اقتصادياً، والتي باتت تختزن من الدولارات أكثر مما تختزنه الخزانة الأمريكية نفسها. ولكي تحمي ظهرها، فقد عقدت الصين تحالفاً استراتيجياً مع روسيا التي ترى هي الأخرى أن مصالحها ووجودها كقوة عالمية عظمى باتت مهددة من جراء زحف حلف «الناتو» إلى عتبة دارها، وأنها لم تعد تأمن أن تتسلل أيادي التخريب إلى داخل بيتها، وقد رأت نموذجاً لذلك في الشيشان، وآخر في أوسيتيا. ولذلك تلاقت مصلحتا روسيا والصين، وشكلت الدولتان منذ عام 2004 تحالفاً استراتيجياً يهدف بالدرجة الأولى إلى كسر العنجهية الأمريكية وتثبيت الحقائق السياسية في العالم. 

 وقد أصبحت الدولتان تتصرفان في المحافل الدولية كدولة واحدة لتحدي هيمنة القطب الواحد. كما أنهما اتجهتا للتعامل بالعملات الوطنية في تجارتيهما المتبادلة، وبما يؤدي إلى إلحاق خسائر كبيرة بالدولار. وترى الولايات المتحدة أن كلتا الدولتين عدوتان لها، لكنها لا تريد أن تفتح الحرب عليهما معاً، ولذلك اتجهت إلى الدولة الأضعف عسكرياً وهي الصين، ليسهل عليها في النهاية تطويق العدو الحقيقي لها، وهي روسيا، وإذلالها.

 ومنذ عام 2010 أعلنت الولايات المتحدة على لسان هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية في ذلك الوقت، أن الولايات المتحدة بدأت التحول شرقاً في إطار استراتيجيتها العالمية. ولم يكن ذلك يعني سوى تركيز الاهتمام على الصين والتدخل في شؤونها وعرقلة حركتها وتأليب الدول المحيطة بها عليها. وكان أخطر ما قامت به هو أنها نسفت مبدأ «صين واحدة» الذي وافقت عليه عام 1979 نظير إقامة علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية، حيث إنها ثابرت على تقديم الدعم العسكري لتايوان على الرغم من سحب اعترافها بها.

 وأعلنت الولايات المتحدة عن إطلاق قناة جديدة للحوار الثنائي مع تايوان بشأن الاقتصاد، ما يهدف إلى تعزيز العلاقات بين الجانبين. وقال ديفيد ستيلويل، كبير الدبلوماسيين الأمريكيين المختص بشرق آسيا، إن واشنطن كانت «مضطرة» للقيام بهذه الخطوة في ظل «تنامي التهديدات الصينية للأمن والاستقرار» في المنطقة. وأضاف: «سنواصل دعم تايبيه في التصدي لحملة الحزب الشيوعي الصيني للضغط عليها وترهيبها وتهميشها». 

وجاءت قضية هونج كونج لتزيد من سخونة الموقف في ظل الدعم الأمريكي الواضح للمعارضة في هذه المدينة ضد محاولة دمجها بشكل كامل في الدولة الصينية، بالإضافة إلى اتجاه إدارة ترامب لفرض سلسلة عقوبات ضد شركات صينية رائدة مثل عملاق التكنولوجيا المتقدمة «هواوي». ومنعت وزارة التجارة الأمريكية 11 شركة صينية من شراء سلع أو تكنولوجيا أمريكية، بسبب ما أسمته الوزارة انتهاكات حقوق الإنسان في إقليم شينجيانج. وفي 10 أغسطس/آب الماضي قام أليكس عازار، وزير الصحة والخدمات البشرية الأمريكي، بزيارة إلى تايوان تحت مسمى تعزيز التعاون ضد فيروس «كورونا». 

 وفي ردّ واضح على الاستفزازات الأمريكية ضد الصين، قال الرئيس الصيني شي جين بينج خلال زيارته قاعدة للقوات البحرية في مقاطعة قوانجدونج، جنوبي البلاد، في 15 أكتوبر: على قوات البحرية «التركيز على الاستعداد للحرب»، وأضاف: «يجب أن يركز سلاح مشاة البحرية على الاستعداد للقدرات الحربية والقتالية، والحفاظ على مستوى عال من الاستعداد». وهذا الكلام يبين أن الصين لن تسمح بالعودة إلى الوراء، وأن الحرب هي خيارها وملاذها في التعامل مع التهديدات الأمريكية لأمنها ووجودها، لكن إذا وقعت الحرب، فإنها لن تبقى محصورة في الشرق الأقصى، بل سيكتوي معظم العالم بلظى نارها التي لن ترحم الحياة والجماد في الأرض.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"