قبرص والحل المستحيل

00:19 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد نورالدين

جرت يوم الأحد الماضي انتخابات الرئاسة في ما يسمى ب «جمهورية شمال قبرص التركية». وهي القسم الشمالي من الجزيرة المقسمة فعلياً منذ العام 1974.

 واكتسبت هذه الانتخابات أهمية، كون الرئيس المنتهية ولايته مصطفى أقنجي عبّر عن مواقف تتعارض مع سياسات الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان. لذلك كانت رغبة أردوغان قوية في التخلص من أقنجي.

 وبمعزل عن أي شيء، فإن قبرص التركية في المصطلحات السياسية والأدبية التركية هي «الابن الصغير» لتركيا، وهي كذلك بالفعل. وقد كانت قبرص التركية جزءاً من جمهورية قبرص التي تأسست في العام 1960 بموجب اتفاقيات زيوريخ ولندن عامي 1959 و1960 وأقامت نظام محاصصة يقسم المواقع في الدولة بين قبرص اليونانية الجنوبية وقبرص التركية الشمالية، بحيث يكون الرئيس قبرصياً يونانياً ونائبه قبرصياً تركياً، مع الاتفاق على توزيع الموارد. لكن القلاقل والاضطرابات والصدامات الدموية بين الطائفتين سادت عقد الستينات، إلى أن جرى عام 1974 انقلاب عسكري قاده نيكوس سامسون الذي اطاح بالرئيس الشرعي المطران ميخايل مكاريوس، وطلب الانضمام إلى اليونان، وهو ما يتناقض مع اتفاقية الضمانة التي أنشأت الجمهورية، والتي تضع تركيا واليونان وبريطانيا ضامنة لعدم إحداث أي تغيير في الواقع الجغرافي والقانوني للجزيرة.

 ونتيجة لذلك، تدخلت تركيا عسكرياً في عهد رئيس الوزراء بولنت أجاويد واحتلت القسم الشمالي من الجزيرة ولا تزال. وفي العام 1983 أعلنت قبرص التركية استقلالها باسم «جمهورية شمال قبرص التركية» بزعامة رؤوف دنكتاش. وفي العام 2004 كان يمكن للجزيرة المقسمة أن تعود موحدة بصيغة فيدرالية وفقاً لخطة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، لكن المفاجأة أن القبارصة اليونانيين هم الذين عارضوا الخطة، فيما وافق عليها القبارصة الأتراك، ومن ثم انضم القسم الجنوبي إلى الاتحاد الأوروبي باعتباره ممثلاً لكل القبارصة، وهذا ما عارضه القبارصة الأتراك وتركيا نفسها.

 تناوب على رئاسة قبرص التركية منذ العام 1983 خمسة رؤساء، وكان من بينهم من يسعى للتحرر من الولاء التام لأنقرة، والبحث عن سبل جديدة للوصول إلى حل، ومن هؤلاء الرئيس السابق محمد علي طلعت والرئيس مصطفى أقنجي.

 ورغم أن كل رؤساء قبرص التركية ليس أمامهم سوى تركيا منفذاً ونافذة لبلادهم على العالم، فإن أقنجي تحديداً الذي انتخب عام 2015 كانت له مواقف مثيرة لجهة عدائها لسياسات رجب طيب أردوغان. ووصف أقنجي قبل عام من اليوم عملية «نبع السلام» التركية في سوريا ب «نبع الدماء». كذلك انتقد سياسة أردوغان في اعتبار قبرص التركية مجرد أداة وتابع لتركيا، محاولاً اتباع سياسات استقلالية أكبر عن أنقرة. كذلك قدّم أقنجي تنازلات مهمة لجهة استعداده للتخلي عن بعض الأراضي لصالح قبرص الجنوبية، مقابل التوصل لحل لمشكلة الجزيرة. وهذا كان ضمن سياسة تسعى لتكون قبرص التركية جزءاً من قبرص، وليست جزءاً من تركيا.

 ولا شك أن أردوغان كان مستاء جداً من مواقف أقنجي وتمرده عليه. ولذلك، فقد عمل بكل قوته من أجل أن يفوز مرشحه رئيس الوزراء القبرصي التركي أرسين تتار في الانتخابات. وهذا ما حصل ،إذ فاز تتار بنسبة 52 في المئة مقابل 48 في المئة لأقنجي.

 فوز تتار سوف يقوي يد أردوغان في قبرص، كما في الصراع في شرق المتوسط ضد فرنسا واليونان، إذ تخلص من شخصية كانت تربك بعضاً من سياساته خصوصاً في إطار التنقيب عن الطاقة في المناطق الاقتصادية الحصرية لكل من تركيا وقبرص التركية وجزيرة قبرص عموماً. لذا كان أردوغان أول المهنئين لتتار، لكن ما يلفت أن تتار هو من أنصار العمل دولياً على الانفصال الكامل وطي صفحة البحث عن حلول لإعادة توحيد الجزيرة تحت أي مسمى. وهذا ما قد يطلق مساراً جديداً من جانب أنقرة للحصول على اعتراف دولي بجمهورية شمال قبرص التركية، والعين أولاً على اعتراف أذربيجان بها في ظل التحالف العسكري بين أنقرة وباكو في الحرب الدائرة حالياً في القوقاز.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"