عقيدةُ ترامب

01:57 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

دخل دونالد ترامب بالولايات المتحدة انعطافات لم يسبقه إليها أيٌّ من رؤساء الولايات المتحدة السابقين؛ إذ قلب المعادلات الأمريكية التقليدية القائمة، وآمن دوماً بصوابيّة رأيه؛ بل وغلَّبهُ في كثير من الأحيان على توصيات وآراء مؤسسات الحكم في الدولة، ما جعله يدخل في صراعات مع أجهزتها وإعلامها، وحتى مع الجمهوريين من حزبه، ليس هذا فحَسبْ فهو تصادم مع الحلفاء في الدول الأوروبية وغيرها عبر سياساته الخارجيّة، وتقارب مع من كانوا يشكلون تهديداً استراتيجياً للولايات المتحدة.

 الرئيس الساعي بكل ما أُوتي من قوة لولايّة ثانية حاول في المناظرة الثانية والأخيرة مع منافسه الديمقراطي جو بايدن الاتسام بالهدوء والإمساك بزمام المبادرة؛ لتبديد مخاوف الأمريكيين؛ وطمأنة ثقتهم المهزوزة في سياسته عن طريق تطرقه إلى ملفات عدة؛ منها: أزمة فيروس «كورونا»، واعتماده اللقاح خلال أسابيع، وإنكار السماح لجهات خارجيّة بالتدخل في الانتخابات، والدفاع عن تقاربه مع كوريا الشماليّة إلى جانب تنصله من العديد من الاتفاقات مع الحلفاء الأوروبيين.

 رئيس البيت الأبيض الذي أثارت سياساته الجدل، تمسك بمبدأ «أمريكا أولاً»، معتبراً إياه عصاً سحرية تقنع الأمريكيين بدبلوماسيته المربكة، وتغطي على تضحيته بالحلفاء التقليديين للولايات المتحدة والاتفاقات الدوليّة من أجله؛ إذ دخل في سبيل تعزيزه بمواجهة لا هوادَة فيها مع الصين، ظناً منه أنَّ الأوروبيين يستغلون أمريكا ماليّاً، وبكين تسعى إلى الظهور كقطبية تهدد نفوذ بلاده في العالم.

 ترامب لم يتوقف عند هذا الحد؛ بل تحرك عسكرياً بالقرب من حدود «التنين الآسيوي»، إلى جانب إعلان الحرب التجارية عليه، كما خالف العرف بشن هجوم لاذع على رؤساء دول «صديقة»، فكان تارةً ساخراً من «غباء» الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وتارةً أخرى واصفاً رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو ب«غير النزيه»، فضلاً عن إظهار ازدرائه باستمرار للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وتشكيكه في حلف «الناتو»، وانسحابه من اتفاقية باريس حول المناخ، واتفاق التجارة الحرة عبر المحيط الهادئ. وما زاد الطين بلة تنصله من منظمة الصحة العالميّة في أوجِّ المعاناة من وباء «كوفيد-19»، بينما لم يفتر إعلانه «حالة الحب» مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، كما صدم معسكره بموقفه التصالحي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

 سياساتُ ترامب المثيرة للالتباس في تعاملاته مع الكثير من الملفات الحساسة؛ تجعل كولين دويك من معهد «أميريكان إنتربرايز» الفكري المحافظ، يُصدُّق في قوله حين شبه عقيدة الرئيس الأمريكي بلُّعبة «الجبال الروسية بالتصعيد وخفض التصعيد»؛ إذ إنه مستعد لخلق سياسات جديدة وقلب المبادئ الأمريكية لمصلحة ما يتطلع إليه، وتحقيق سلسلة من المكاسب تنبثق من موازين جديدة سيكون العالم بأسره على موعد معها في حال كسب الولاية الثانيّة أو خسرها؛ بسبب تشديده التحدي على عاتق منافسه في قلب المعادلات وإعلان التصالح مُجدداً مع العالم.

العالم ينتظر مآل الانتخابات الرئاسية بعد أيام، وبعدها نعرف ما إذا كان مبدأ ترامب سيبقى صالحاً للاستعمال.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"