التعميم الذي لا يستقيم

00:15 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

من محاسن وسائل التواصل الاجتماعي، أنها استطاعت الكشف عن منظومة سلوكية وقيمية سلبية لم يحاول التربويون مناقشتها أو التطرق إليها، باعتبار أنها أقرب إلى السلوك الفردي، وللأسف يتحول السلوك الفردي إذا ما تكرر وتعاظم إلى ظاهرة. 

 والظواهر السلبية المسكوت عنها في أوطاننا العربية ودول العالم الثالث كثيرة؛ إما لتفشّيها في المجتمع حتى باتت من نسيجه الثقافي والسلوكي، ومع مرور الوقت اتخذت صفة الاعتيادية، وإما لعجز أصحاب الشأن عن التصدّي لها. ويبدو أن الأمر بحاجة إلى قوانين تحمل عقوبات رادعة؛ إذ من دون هذا لا يمكن وضع حد لأي سلوك سلبي.

 التعميم، هو أن تطلق على المجموع صفة واحدة، كأن تقول أن الشعب الفلاني نصّاب، أو أن الشعب الفلاني يتسم بالعنصرية أو أنه شعب خائن، أو أن الدين الفلاني يحرّض على الإرهاب، إلى آخر هذه الصفات المؤذية التي تكرّس العنصرية تجاه الآخر. وقد يقول قائل: إن هذا ينتشر بين شعوب الأرض، وهذا غير حقيقي، فالشعوب المتحضّرة تفكّر قبل أن تطلق أحكامها، فالأحكام حتى لو كانت خارج المحكمة وبعيداً عن القضاء، هي أحكام حقيقية ينتج عنها سلوك خطر، قد يكون عنيفاً أو إجرامياً، فلو أطلقنا على أحدهم حكماً بالكفر، سيفكر كثيرون بإقامة الحد عليه، وقد يُقتل بالرصاص أو ذبحاً. والأحكام تسبق التعميم لأصحاب العقول الضيّقة، فقد يحكم رجل على آخر بالصعلكة والشذوذ من خلال مظهره الخارجي أو طريقة قصة شعره أو حرف في لغته أو نغمة في صوته، وبعدها يتحمّس فيطلق أحكامه العجيبة، فيصف شعباً بأكمله بأنه ساقط ومائع. 

 نسوق هذه الأمثلة؛ لأنها تتعلق بالأخلاق والقيم، بينما لكل شعب ثقافته وقيمه، فقائمة الممنوعات في بلد تختلف عن غيرها في بلد آخر، وعادات وتقاليد وأعراف الشعوب مختلفة ومتباينة، فما هو حرام لدى البعض حلال عند البعض الآخر، فعند المسلمين مثلاً، يُسمح بتعدد الزوجات، أما إذا عدّد الأوروبي أو الأمريكي فإنه في حكم الزاني والمعادي لحقوق المرأة.

 الثقافة تلعب دوراً في آلية التفكير عند الشعوب كافّة؛ وهي عبارة عن منظومات سياسية واجتماعية وأخلاقية واقتصادية تم تكريسها وانتشارها؛ نتيجة تراكمات وممارسات وقوانين، وهي متباينة ومختلفة، وأحياناً يكون الاختلاف جذرياً، فهل اختلاف الثقافات سيقود إلى العداء ونحن في زمن التبادل والتعاون والمشاركة والاحترام والفهم والتقدير والتسامح؟ وما ينطبق على تباين القيم وما ينتج عنها من أحكام ينطبق على الموضوع السياسي، هناك من يحكم على شعب كامل بأنه خائن ويبيع نفسه مقابل المال، وأنه يبيع أرضه للعدو مقابل المصلحة الذاتية، وهناك من يحكم على شعب آخر بأنه متطرّف متزمّت يصعب التعامل معه، وهي أحكام لا شك أنها جائرة؛ لأنه ببساطة لا يمكن التعميم.

 في الدول المتحضّرة، يتدخل القانون والنظام العام في هذه المسائل، إلى درجة أن أي نطق لكلمة قد تُصنّف الشخص على أنه عنصري ومتطرّف، والعنصرية يعاقب عليها القانون. نحن لا نصف هذه الدول بالنقيّة، فهناك عنصريون يطلقون أحكاماً عامة؛ لكنهم يخضعون لمحاكمات لو تقدم المتضرر بدعوى.

 التفوه بكلمة يختلف عن كتابتها، فالكتابة دليل إثبات للقناعة؛ لأن الكلمة الشفهية قد تصدر عن عصبية ما، أما المكتوبة فقد سبقها تفكير وإن كانت مدعومة بشيء من العصبية، وعلى الرغم من ذلك يكتب كثيرون في وسائل التواصل الاجتماعي ما يحلو لهم من دون عقاب أو حساب، ولا علاقة لهذا بحرية التعبير عن الرأي، يحدث هذا في مجتمعات كثيرة. ومن هنا، نتمنى أن تُعالج هذه المسألة في المناهج التعليمية والتربوية، وفي المنازل وفي الخطاب الديني والاجتماعي والتنموي البشري، وفي كل تجمّع بشري، وهذا يصب في فلسفة التسامح ومعاييرها التي تحترم الاختلاف.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"