الطريق مفتوح للجميع

00:47 صباحا
قراءة دقيقتين

د. باسمة يونس

يمكن أن يكون المبدع معلماً أو مهندساً أو تلميذاً في مدرسة، أو أماً في المنزل أو موظفاً في الاستقبال أو عاملاً في حقل. وكما يقول العالم الأمريكي ألكس أوزبورن، «كل الأشخاص قادرون على التفكير بشكل إبداعي ومبتكر، ما لم يمنعوا من ممارسة ذلك»؛ أي أن من لا يمكنهم الإبداع هم الذين لم يتوفر لهم الدعم والموارد اللازمة فعجزوا عن ذلك، أو الذين لديهم كل ذلك، لكنهم لا يمتلكون الإحساس بضرورة الإبداع.
وأهم سمة من سمات المبدع هي امتلاك الشعور الذي يدفعه للسعي من أجل تحقيق إبداعه، بغض النظر عما يهدف إلى تحقيقه، سواء في الرياضة أو العمل أو غير ذلك. إن أولئك الذين يميزون أنفسهم عن البقية يحافظون على شعورهم بالإلحاح من أجل أن يكونوا في أفضل حالاتهم، ويختارون عدم الانفصال عما يسعون إلى تحقيقه، ويتابعونه، بغض النظر عما يعتقده أو يقوله أي شخص آخر؛ لأن إحساسهم بالإلحاح جزء لا يتجزأ من هويتهم.
ولا يعتمد إبداع الأفراد على وجود سمات شخصية فقط؛ بل ينشأ في ظل نظام بيئي، وينتج مع استعداد المبدع لضرب صخرة بإزميل، والحفر بعمق ليعثر على مصدر إبداعه، كما يفعل الروائي الياباني الشهير هاروكي موراكامي، الذي يدرك أن المبدع لن يتمكن من الإبداع إلا عندما يمتلك الدافعية للحفر والطرق باستمرار ليعثر على طريقة تشحذ إبداعه.
ويشحذ موراكامي إبداعه بتكريس أيامه لجلسات كتابة منتظمة يبدأها في الصباح الباكر، وممارسة التمارين الرياضية الشاقة والانضباط في العمل والسير على روتين معين بدون أن يسمح للشعور بالملل بوضعه في زنزانة؛ لأن التكرار بالنسبة له إبداع بحد ذاته، فهو مهمة شاقة وليس نزهة ستؤتي هدفها بقضاء الوقت في مقهى أو الاسترخاء في حديقة زاهية.
المبدعون ليسوا سلعاً يمكن صنعها باختيارنا أو عند الطلب؛ بل هم أشخاص لديهم القدرة على تحديد المشكلات وفهمها بعمق، ومستعدون للمضي في رحلة البحث عن الأفكار والحلول التي ستكون عن طريق تغيير الوضع الراهن الذي جعلها مشكلة، ومساعدة من حولهم على التخلص منها. 
المعلم المبدع هو الذي سيتمكن من إيجاد حل إبداعي وناجح لتقديم مادته التعليمية لفصل متنوع في الفروق الفردية، بطريقة تختلف عن طريقة المنهج المقرر. إنه يدرك أن الكتب لا تقدم الحلول للمشكلات الفردية التي يلمسها ويعرفها أكثر مما تعرفها لجنة المؤلفين التي وضعت الكتاب. وكذلك المهندس الذي لديه القدرة على تطويع المواد والأشكال لخدمة مفاهيم جديدة، كما فعلت المهندسة العربية زها حديد التي كان اتجاهها المعماري معروفاً بالتفكيكية التي تنطوي على تعقيدات عالية وهندسة غير منتظمة، كما تمكنت باستخدامها للحديد في هذه التصاميم من جعل عمائرها تتحمل درجات كبيرة من الضغط وأحمال الشد لتنفيذ تشكيلاتها الحرة والمبهرة، ولتصبح مبدعة القرن في مجالها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"