تحديات العراق الحرجة

23:37 مساء
قراءة دقيقتين

مرت الذكرى الأولى لاحتجاجات 25 أكتوبر العراقية بسلام، لولا سقوط العشرات من الجرحى بين المحتجين، وقوات الأمن، جراء اشتباكات شهدتها منطقة «جسر السنك» ببغداد، التي كانت واحدة من العناوين الدامية في المواجهات والاعتصامات العام الماضي. وبقطع النظر عن النوايا الحسنة لحكومة مصطفى الكاظمي بإحداث تغيير، لا يبدو أن الكثير قد اختلف عما سبق، بدليل أن الشعارات ما زالت تطالب بانتخابات مبكرة، ومحاسبة قتلة المتظاهرين، ومحاربة الفساد.

  العراق لم يتعاف بعد، وطريقه إلى الخلاص من أدران الحقبة الماضية مازال طويلاً، وشاقاً، بينما يشير حجم التظاهرات التي غصت بها ساحات الاحتجاج في بغداد، والبصرة، والناصرية، والسماوة، والديوانية، إلى أن هؤلاء المحتجين لم يستكينوا، ولم ينسوا ما خرجوا من أجله قبل عام. وإذا استبد بهم اليأس مجددا فهم مستعدون إلى العودة ثانية إلى الاعتصام في الشوارع، والميادين، على الرغم من أن هناك بوادر مشجعة قد لا تسمح بانفلاتات جديدة.

 فالحكومة العراقية الحالية تمارس قدراً كبيراً من ضبط النفس، وبدا ذلك واضحاً في تظاهرات، أمس الأول الأحد، ولم يجنح المحتجون إلى العنف، وما حدث حمّلوه إلى «أطراف سياسية» سعت إلى رسم مشهد دموي تضرب به حكومة الكاظمي، وتظهرها بأنها لا تختلف عن الحكومات السابقة، في الوقت الذي حرص فيه الكاظمي على التهدئة، واستبق إحياء الذكرى بالدعوة إلى الوقوف دقيقة صمت على أرواح مئات الضحايا الذين سقطوا العام الماضي، من دون أن يغفل توصية الأجهزة الأمنية بالتزام أقصى درجات الحيطة والحذر تجنباً لأي مكروه.

  يعرف الكاظمي، بمرجعيته الأمنية، أن وضع العراق في هذه المرحلة دقيق، كما يعرف أن حكومته ولدت من «انتفاضة أكتوبر»، وأخذت على عاتقها أن تلبي مطالب المحتجين، وتحفظ سيادة العراق، وتنزع سلاح الميليشيات، وتحمي أمن البعثات الدبلوماسية، خصوصاً في ظل الهجمات المتكررة التي تستهدف، من حين إلى آخر، السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء، ما فجّر أزمة مع واشنطن، سارع الكاظمي إلى تطويقها إثر زيارته الأخيرة إلى البيت الأبيض. وبالنظر إلى كل هذه التحديات، تبدو المهمة ثقيلة على الحكومة العراقية، فالتوفيق بين التناقضات الحادة، وتلبية المطالب الحارقة للناس تحتاج إلى حبل طويل من الصبر، والمثابرة. وأثمن شيء يريده العراقيون في هذه المرحلة، هو النزاهة، والوطنية، للتمكن من التغلب على الصعاب. أما الفشل فيعني عودة درامية إلى المربع الأول، مع ما يمكن أن يؤدي إليه من خسائر، وتضحيات، وهدر للوقت، ورضوخ لأجندات لا تخدم مصلحة البلد بأي شكل من الأشكال.

  عراق اليوم بحاجة إلى العمل الصادق لإحداث التغيير. ومازال الأمل قائماً على الحكومة الحالية في أن تفي بتعهداتها، وتنفذ برنامجها الإصلاحي. أما التظاهرات الاحتجاجية فستبقى ضرورية لأنها صوت الشارع، وجرس مطلوب لتنبيه المسؤولين إلى مواضع الخلل، والفساد، حتى تكون للحكومة جدوى، وتنجح في خطتها للترشيد، والإصلاح.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"