دلالات انتخابات بوليفيا

23:35 مساء
قراءة 3 دقائق

د.فايز رشيد

انتخابات بوليفيا الأخيرة، شكّلت تحولّاً في هذا البلد، وفي أمريكا اللاتينية عموماً. جاء هذا التغيير الجديد بفوز لويس آرسي مرشح اليسار المقرّب من الرئيس الأسبق ايفو موراليس بمنصب الرئاسة بحصوله على أكثر من 52% من الأصوات، مقابل 31،5% للرئيس السابق كارلوس ميسا منافسه الرئيسي. 

بنجاحه في منصب الرئاسة، يكون قد أعاد حركة «نحو الاشتراكية» إلى الحكم، بعد اضطرار موراليس إلى الاستقالة في نوفمبر /تشرين الثاني 2019 ومغادرته بوليفيا إثر اتهامه من قبل المعارضة بارتكاب تجاوزات انتخابية. وقال آرسي خلال مؤتمر صحفي عقده برفقة نائبه ديفيد شوكيوانكا: أن بوليفيا «عادت إلى الديموقراطية»، مضيفاً «سنعمل من أجل الجميع، وسنشكل حكومة وحدة وطنية»، كما رحب بعودة موراليس إلى بلده. من جانبها، أثنت رئيسة البلاد بالوكالة جانين انيز على الانتخابات وأشادت بديموقراطيتها. وأعلنت أن آرسي هو رئيس بوليفيا القادم. ذلك بعد انتهاء عمليات التصويت التي جرت بهدوء.

 من جهته قال رئيس المحكمة الانتخابية العليا سلفادور روميرو خلال مؤتمر صحفي له: «في انتخابات حساسة كهذه نحرص على أن تتم بصورة غاية في الشفافية». وقد أعلنت الحكومة بدورها أن الانتخابات جرت بهدوء في كل أنحاء البلاد، باستثناء بعض الحوادث المعزولة. وبسبب وباء كورونا جرت الحملة الانتخابية هذه المرّة على شبكات التواصل الاجتماعي لضمان شفافيتها، كما تم التجديد لكامل أعضاء المحكمة العليا، وقد حضرتها وفود من كل من: منظمة الدول الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، واتحاد المنظمات الانتخابية الأمريكية، ومؤسسة كارتر كمراقبين.

لقد شغل الرئيس الجديد منصب وزير الاقتصاد والمالية العامة، ومقارنة بعهد موراليس، ارتفعت البطالة في زمنه بنسبة قياسية (أكثر من 11 % مقارنة ب3 % العام الماضي) وارتفع معدل الفقر بنسبة 7 %. 

إن دلالات الانتخابات الجديدة، تبدو وكأن عودة اليسار أصبحت مطلباً شعبياً للبوليفيين، رغم أن الرئيس الجديد تحدّث فور فوزه عن استعادة بوليفيا لطريق الديمقراطية، مع وعد بتصحيح أخطاء الحكومة الاشتراكية السابقة، واستكمال كافة الأهداف الأخرى للشعب البوليفي. وخلال توليه وزارة الاقتصاد، أقدم آر سي على تأميم قطاع صناعة الهيدروكربون ووضعَ عدداً من البرامج الاجتماعية الجديدة، والاعتراف بقطاع الاقتصاد «الاشتراكي الشعبي»، مع رفع ملحوظ للحد الأدنى للأجور.

 وفي مقابلة له قبيل الانتخابات مع موقع «جاكوبين»، رأى آرسي أن بلاده اختبرت «النيوليبرالية» لأكثر من 20 عاماً، لكن نتائجها جاءت كارثية، منتقداً توجه حكومة اليمين الانتقالية إثر الإطاحة بموراليس إلى «إلغاء الاستثمار الاجتماعي، وشلّ الشركات الوطنية، ما أدى إلى تدمير الناتج الوطني». كما انتقد تركيز المداخيل في أيدي نخبة قليلة،ما جعل معظم البوليفيين يعانون كثيراً في معيشتهم. كما وعد بإعادة سياسة توزيع الدخل التي انتهجت منذ بداية 2006. وكان الرئيس المنتخب قد واجه ملاحقات عدة إبان حكم موراليس، كما تعرضت عائلته للتهديد، لكنه أكد أن البوليفيين سيدركون «أننا مصممون على النجاح».

 معروف أنه في عام 1981، تم تأسيس جماعة «كونترا» المدعومة من قبل الولايات المتحدة، بهدف الإطاحة بحكومة «الساندينيين» في نيكاراجوا، وقد أشعلت الكونترا حرباً أهلية في الأخيرة، لم تنته إلا بمغادرة الساندينيين للسلطة في عام 1990،وقد احتاجت الجبهة الساندينية 16 عاماً لتستعيد حضورها في بلدها، بعد انتخابات عام 2006. لكن الحالة في بوليفيا كانت مختلفة، فبعد مضي عام على الانقلاب الذي قام به الجيش بدعم أمريكي ضد الرئيس الاشتراكي المنتخب آنذاك موراليس، حقق اليسار البوليفي أول إنجاز كبير له في مسيرة استعادة سلطته، رغم الفارق الكبير بين الرئيس الجديد وبين موراليس، رغم انتماء كليهما إلى جبهة اليسار.

 يمكن القول: إنه مع فوز الحركة الاشتراكية في الانتخابات البوليفية العامة، بدت بوليفيا وكأنها في مسار جديد لطيّ صفحة «انقلاب الليثيوم» – التعبير الذي يطلق على من قاموا بالانقلاب ليلة العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب وباحث في الشؤون الاستراتيجية، وهو من الخبراء في الصراع الفلسطيني العربي-"الإسرائيلي". إضافة إلى أنه روائي وكاتب قصة قصيرة يمتلك 34 مؤلفاً مطبوعاً في السياسة والرواية والقصة القصيرة والشعر وأدب الرحلة. والمفارقة أنه طبيب يزاول مهنته إلى يومنا هذا

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"