معاهدة نووية فاشلة

00:31 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

تحتفل الأمم المتحدة بمصادقة خمسين دولة على معاهدة حظر الأسلحة النووية، وتستعد لإدخالها حيز التنفيذ خلال تسعين يوماً، على الرغم من أن الدول الموقعة لا تمتلك أصلاً هذا السلاح، بينما ظلت الدول النووية الكبرى: الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والصين وبريطانيا، خارج القائمة. وحتى اليابان الدولة الوحيدة، التي سقطت ضحية هذا السلاح المدمر، رفضت التوقيع معلنة انعدام الجدوى.

مازال السلاح النووي كابوساً يدوي في أرجاء الكرة الأرضية، ومازال التهديد باستخدامه أمراً مرعباً يرسم سيناريوهات قاتمة ومشاهد فوق الخيال، ولن يتحقق الأمن والسلم في العالم إلا إذا تخلصت البشرية من كل الترسانات المدمرة وانتظمت كلها في معاهدات نافذة ودائمة تشيع العدالة والطمأنينة بين مختلف الدول الكبيرة والصغيرة. ربما يكون هذا الأمل الرومانسي ممكناً في المتخيل، أما في الواقع فلا شيء يبشر بخير، فالدول الكبرى مازالت تخصص تريليونات الدولارات سنوياً لتطوير الأسلحة الفتاكة وتجريبها. والخطاب السياسي السائد بين هذه الدول مازال يتلفظ بعبارات الاستعداد للحرب والمواجهة، فقبل أيام جربت فرنسا صاروخاً عابراً للقارات ينطلق من غواصة، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب يقول إن جيشه سيظل هو الأقوى في العالم وسيتم تحديثه بأسلحة لا مثيل لها. ونظيره الروسي فلاديمير بوتين يتباهى بترسانة جيشه القوية ويعلن أن «من يريد دفن روسيا كدولة عظمى سنشارك في جنازته». أما الرئيس الصيني شي جي بينغ فإنه يوصي بتطوير الجيش ويحذر من الاستخفاف ببلاده في رسالة مباشرة إلى واشنطن التي تحاول التصدي لنفوذ بكين في كل مكان.

وسط هذا المناخ المأزوم، يتم الإعلان عن توقيع معاهدة حظر السلاح النووي من دون ضمانات لإسهام دخولها حيز التنفيذ في رفع الوعي بمخاطرها ودفع الدول النووية إلى التخلص مما تمتلكه من وسائل للدمار الشامل. وعلى الرغم من أن كل البوادر تؤكد أن المهمة شبه مستحلة، فهناك معاهدات دولية أقل شأناً وبعضها معلن منذ نهاية الحرب العالمية الأولى مازالت حبراً على ورق مثل المتعلقة بالألغام الأرضية، وتلتها لاحقاً معاهدات تتعلق بالقنابل العنقودية، فضلاً عن الأسلحة المحرمة ذات الصلة بالذخائر الكيماوية والغازات السامة. وطوال عقود من الزمن لم تنجح حملات المنظمات المدنية والحقوقية في أن تحرج من يمتلكون مثل هذه الأسلحة الفتاكة.

حظر الأسلحة النووية لن يكون فعالاً إلا إذا وقعت عليه القوى الكبرى والتزمت به، ولكن تلك الدول أسقطت من أجندتها للعقود المقبلة مثل هذه الأمنيات، بل إن واقعها يكشف عن سباق مهول لحيازة أفتك الأسلحة وأكثرها قوة وتدميراً. والخطر لا يتوقف عند هذا الحد، بل سيشعل رغبة لدى كل الدول في امتلاك الأسلحة النووية مثلما هو حاصل الآن. وإذا اتسعت الرغبة، ربما ستصبح الكرة الأرضية بعد عقود قليلة من اليوم أشبه بالقنبلة الموقوتة التي لا تعاني فقط من مخاطر السلاح النووي، بل من أزمات بيئية خطيرة مازال المجتمع الدولي غافلاً عنها ولا يعيرها أي اهتمام.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"