عادي

أمريكا والصين وطبول الحرب

22:55 مساء
قراءة 4 دقائق
السياسي

إعداد: أحمد البشير

تركز معظم المناورات الحربية الأمريكية والصينية على احتمال مواجهة عسكرية بين البلدين محورها بحر الصين الجنوبي، واحتمال رد محتمل على الغزو الصيني لتايوان. فمنذ أوائل سبتمبر/أيلول الماضي، نفذت الصين أكثر استعراضات القوة في مضيق تايوان منذ ما يقرب من ربع قرن. 

كانت الدوريات العسكرية الصينية التي تضم أكثر من 30 طائرة مقاتلة وعشرات السفن الحربية، تجوب المضيق كل يوم تقريباً، واخترق العديد منها الخط الوسطي بين تايوان والصين، وهي الحدود التي احترمها الطرفان حتى العام الماضي. وأسهب المراقبون في الحديث عن «أسوأ السيناريوهات» التي يمكن أن تحدث. فعلى سبيل المثال طرحت مؤسسة «راند» السيناريو الخاص بها ويشير إلى احتمالية تدخل قوات حلف شمال الأطلسي في حال شنت الصين هجوماً على تايوان، وذلك في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الدفاع الأمريكية مؤخراً، خططها لزيادة عدد الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى في أوروبا وآسيا لمواجهة روسيا والصين.

وقد نشرت الصين بالفعل عدداً كبيراً من الصواريخ تصل إلى أكثر من ألف صاروخ قصير ومتوسط المدى في منطقة المحيط الهندي والمحيط الهادئ، تحسباً لاندلاع أي مواجهة بينها وبين الولايات المتحدة وحلفائها من الناتو. 

ولا تزال الصين تعتبر تايوان جزءاً لا يتجزأ من أراضيها ولا تستبعد استعادتها بالقوة في حال أعلنت استقلالها. 

أكبر جيش في العالم

وبينما تركز بعض المناورات الحربية الأمريكية على النتائج الاستراتيجية، فإن معظمها يبحث عن القضايا التكتيكية (القوة الجوية مقابل القوية الجوية أو المعارك «المحلية»)، وليس الحرب الشاملة بين بكين وواشنطن. وعلى الرغم من وجود أسباب تاريخية وتكتيكية للاعتقاد بأن الصين قد تختبر قوتها ضد أهداف أقل أهمية، فإنه لا أحد يفكر في سيناريوهات أخرى غير الغزو المباشر لتايوان. إن أعداد الصواريخ المتفوقة ودفاعاتها الجوية وهيمنتها، هي بالطبع مأخوذة بعين الحسبان في استراتيجية المناورات الأمريكية؛ إذ يبلغ حجم جيش الصين 10 أضعاف حجم جيش تايوان، ويشتمل على أكبر قوة جوية في آسيا وأكبر جيش في العالم، وقوة صاروخية تقليدية وخفر سواحل وقوات بحرية عتيدة. ويمكن لأنظمة الدفاع الجوي الصينية بعيدة المدى، أن تسقط الطائرات فوق تايوان، ويمكن للصواريخ الأرضية والطائرات الصينية المقاتلة أن تقضي على القوات الجوية والبحرية التايوانية، وتدمر القواعد الأمريكية في شرق آسيا في ضربة استباقية.

مخاطر غزو تايوان

وربما كانت للصين في الماضي آمال بأن تتجاهل الولايات المتحدة عدوانها على تايوان، إلا أن كراهية أمريكا للصين وصلت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، ويبدو أن فرصة أن تقف أي إدارة أمريكية مكتوفة الأيدي من دون تدخل، أمر بعيد المنال. ومن خلال غزو تايوان، ستكون الصين بذلك قد اتخذت مخاطرة هائلة، وربما قاتلة، بإشراك الولايات المتحدة في حرب كبيرة.

وفي حال تدخلت الولايات المتحدة، يتفق معظم الخبراء العسكريين والمحللين على أن القوى الأمريكية الكبيرة ستشمل القاذفات «ب 2 سبيريت» وطائرات «F-35» التي ستلعب دوراً رئيسياً في تدمير الدفاعات الجوية والصواريخ والقواعد الجوية الصينية. وبينما تمتلك الصين نظام الدفاع الجوي «أس-400» (وليس الصواريخ الاعتراضية بعيدة المدى التي وعد الروس بها ولكنهم لم يسلموها)، فمن غير المرجح أن تكتشف بدقة طائرات الشبح. 

وعلاوة على ذلك، يمكن لمقاتلات الشبح من نوع F-22، والقاذفات «ب 2 سبيريت» أن تدمر بسهولة أنظمة «S-400»، وفي الوقت ذاته، تستطيع طائرات «F-35» الأمريكية التخلص من الطائرات المقاتلة والقاذفات الصينية، بما في ذلك طائرة الشبح الصينية «J-20»، والتي يمكن تتبعها بسهولة حتى على الرادارات الروسية القديمة. 

وحققت الولايات المتحدة تقدماً كبيراً على جميع المنافسين المحتملين في تكامل أنظمة القتال الخاصة بها، مستفيدة من الشبكات وأنظمة التحديد التلقائي للأهداف وتحديث منصات القتال البحرية والجوية والبرية. وليس من المعروف ما إذا كانت الصين تمتلك القدرات العسكرية الفعالة في جميع هذه المجالات. كما أن الصين لم تدخل في حروب منذ زمن طويل، وتفتقر للخبرة القتالية، في حين أن وتيرتها السريعة في إنتاج العتاد العسكري (التي غالباً ما تعتمد على تقليد أسلحة الروس والمعدات الأمريكية)، تشير إلى أن معظم هذه الأنظمة القتالية منفصلة وغير متكاملة وظيفياً مع القوى العسكرية الصينية. وفي حين أن هناك أسباباً للقلق بشأن بعض الأنظمة، مثل صواريخ «DF-17» و«DF-21D»، إلا أن المرقبين لا يعتقدون أن لدى الصين ما يكفي من هذه الصواريخ لتغيير نتيجة المواجهة الكبرى. 

لا بد من المفاوضات

ولكن هل تريد بكين حقاً المجازفة بحرب مع الولايات المتحدة من خلال غزو تايوان؟ لقد خاضت الولايات المتحدة حروباً من قبل، بما في ذلك الحرب الكورية، وعلى الرغم من الانتكاسات الهائلة، حتى التفكير الجاد من قبل الجنرالات الأمريكيين في استخدام الأسلحة الذرية، فقد دفعت الولايات المتحدة وحلفاؤها ما يسمى ب«المتطوعين» الصينيين وأصدقائهم الروس للعودة إلى خط الهدنة الحالي.

وفي حين أن بكين لم تحاول أبداً غزو تايوان نفسها، إلا أن لها تاريخاً في مهاجمة الجزر الواقعة تحت سيطرة تايوان، بما في ذلك جزيرتا كينمن وبينجو.

وفي ضوء هذا الأمر، تحتاج الولايات المتحدة بشكل عاجل إلى إعادة ضبط نقاشها حول الصين، حيث لا يمكن لمستوى التوتر الحالي بين واشنطن وبكين أن يستمر ببساطة من دون اضطراب قد يندم عليه الطرفان. 

ويتعين على الإدارة المقبلة معالجة التنافس بين الولايات المتحدة والصين بسرعة وجهاً لوجه، حيث هنالك خلاقات جوهرية بين واشنطن وبكين حول المجموعة من القضايا الأخرى غير تايوان، مثل بحر الصين الجنوبي والحرب التجارية وسيادة هونج كونج. ولا يمكن حل هذه القضايا بسهولة؛ إذ يجب الجلوس على طاولة المفاوضات ومناقشتها بتمعن من قبل الجانبين. ويتعين أيضاً وضع حد لهذه المنافسة على وجه السرعة من أجل تفادي اندلاع مناوشات عدائية عسكرية أو صراع سيبراني عالي المستوى يهدد السلام والاستقرار العالميين. 

وهذا الأمر يتفق مع ما دعا إليه وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر، حيث قال مؤخراً، إن على الولايات المتحدة والصين أن تضعا حدوداً للمواجهة. وأكد أن الوقت قد حان لتدرك الولايات المتحدة المتغيرات في العالم الحديث، وهي أمور لفت إلى أنها «معقدة للغاية»، بحيث لا يمكن لدولة واحدة أن تستمر في الحفاظ على هيمنتها سواء في الاقتصاد أو في المجال الاستراتيجي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"