الإسلام والغرب

23:39 مساء
قراءة دقيقتين


د. حسن مدن

ليس جديداً النقاش حول علاقة الغرب بالإسلام والمسلمين. الموضوع معقد ومتداخل، بسبب تعدد جوانبه، وأيضاً تعدد مقارباته. وملف هذه العلاقة مثقل بإرث لا يخلو من المرارة الناجمة ـ في أحد أوجهها على الأقل ـ عن كون أهم دول هذا الغرب ذات ماضٍ استعماري في البلدان الإسلامية، وأن ممارساتها فترة استعمارها لهذه البلدان ملأى بالتعسف والاستغلال وازدراء شعوبها.
ومن جانبها، فإن شعوب البلدان المستعمرة من قبل هذا الغرب، خاضت كفاحاً ضارياً من أجل نيل استقلالها وطرد المستعمرين من بلدانها، وقدّمت في سبيل ذلك تضحيات كبيرة، وما زال كثير من المسائل ذات الصلة بالماضي الاستعماري غير محلول حتى هذه الساعة، بما في ذلك رفض المستعمرين السابقين الاعتراف بآثامهم ضد شعوب مستعمراتهم، وهو أمر لا يقتصر على الشعوب المسلمة وحدها على كل حال.
بالمقابل، على الغرب الراهن أن يقرّ بحقيقة أن المسلمين باتوا يشكلون نسبة لا يصحّ الاستخفاف بها في تركيبته السكانية، ليس فقط بصفتهم عمالاً مهاجرين، وإنما بصفتهم مواطنين في بلدانه، يحملون جنسيتها، بما يترتب على ذلك من حقوق وواجبات متبادلة.
لم يسلط الضوء الكافي على جزء من تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل أسابيع؛ لأن وصفه للإسلام بالمأزوم، أثار استياء واسعاً لدى قطاعات كبيرة من المسلمين، وأصبح موضوعاً متداولاً في وسائل الإعلام، وهو الجزء الذي اعترف فيه بعجز فرنسا عن دمج المسلمين في النسيج الوطني الفرنسي، ومعاناتهم للتهميش، وعيشهم في ما يشبه «الجيتوهات» المعزولة، مما شكّل ـ برأيه ـ تربة مناسبة لنمو التطرف والتعصب، وهو أمر فيه كثير من الصحة.
والمفارقة أن بعض الساسة والإعلاميين الغربيين ـ الذين لا يترددون في تعميم تهمة التطرف، وحتى الإرهاب، على جميع المسلمين، دون تمحيص، وهذا مجافٍ للحقيقة ـ يتجاهلون دور الغرب نفسه في «صناعة» التطرف الذي نجمت عنه ممارسات إرهابية. ليس بوسع هذا الغرب نكران دوره في صناعة «القاعدة» و«داعش» وغيرهما من تشكيلات إرهابية، لتكون مطايا لتحقيق غايات سياسية مكشوفة في العديد من البلدان الإسلامية، كأفغانستان وسوريا والعراق وليبيا وبلدان إفريقية مسلمة.
يقدّم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ـ الذي لا يكف عن الثرثرة ليلاً ونهاراً ـ نفسه «مدافعاً عن الإسلام المستهدف من الغرب»، لكن لا أردوغان ولا الغرب الذي يشتمه، بوسعهما نكران أن الدور التخريبي لأنقرة في المنطقة العربية كان يتمّ بمعرفة ورضى، وربما تواطؤ، دول غربية معه، حين فتح البوابات التركية لجحافل الإرهابيين القادمين من كل حدب وصوب ليدمروا سوريا والعراق مثلاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"