عادي

«كورونـا» دواء الخلافات الأسرية

22:23 مساء
قراءة 6 دقائق
تحقيق

تحقيق: آية الديب

على الرغم من أن البقاء في المنزل لفترات طويلة تزامناً مع محاربة انتشار فيروس «كورونا»، أشعل الخلافات بين بعض الأزواج، فإن العديد من الأزواج استفادوا من البقاء في منازلهم خلال الأزمة لاسيما في بدايتها، حيث كانت تدور العديد من المشكلات الزوجية حول الإهمال والتحدي والعناد بين الزوجين، والغياب الطويل لأحدهما عن المنزل بداعي العمل أو السفر، أو التسوق، أو الخروج مع الأصدقاء، أو إهمال الزوجين لاحتياجات الطرف الآخر والأبناء.

وأكد متخصصون في التنمية الأسرية تراجع العديد من الأزواج عن طلبات الطلاق وانخفاض الخلافات الأسرية نتيجة البقاء في المنازل، حيث أسهم بقاؤهم سوياً في تقبل كل من الشريكين للآخر كما هو، وتعديل الصورة النمطية للعلاقات بين الأزواج حسب الواقع وليس كما صورتها وسائل التواصل الاجتماعي، علاوة على زيادة تقدير وتفهم الأزواج لطبيعة معاناة الزوجة الأم.

وتباينت آراء قانونيين حول نسبة الخلافات الزوجية ودعاوى الطلاق خلال أزمة فيروس كورونا، حيث رأى البعض انخفاضاً في الخلافات ودعاوى الطلاق نتيجة تغير الأوضاع المالية بسبب الأزمة، وخاصة للزوجات، بينما رأى آخرون أن وجود الزوج لأوقات طويلة ومتابعته لإدارة زوجته للمنزل بالتفصيل، كان سبباً في زيادة الخلافات الزوجية.

أكدت مؤسسة التنمية الأسرية أن بقاء أغلب أفراد الأسرة لفترة مع بعضهم بعضاً في المنزل قبل العودة التدريجية للأعمال، أسهمت في إعادة تعارف شركاء الحياة بعضهم على بعض من جديد، بعيداً عن روتين العمل والحياة، ما ساعد على تطوير العلاقات الزوجية إيجابياً بما عاد بالنفع على الأزواج والأبناء.

وتحدد الدكتورة بنة يوسف بوزبون الخبيرة النفسية الاجتماعية في مؤسسة التنمية الأسرية 10 إيجابيات تحققت في العلاقات الزوجية نتيجة أزمة كورونا، وهي انخفاض الضغط والتوتر الناتج عن الخروج اليومي مبكراً للعمل، مما وفر جواً من الاسترخاء والقدرة على التركيز، وكذلك مناقشة الهموم اليومية أولاً بأول، والحفاظ على روتين يومي ساعد الزوجين على التخطيط لحياتهما بشكل أفضل.

وتضيف: «من الإيجابيات قيام الزوجة خلال هذه الفترة بدورها كقائدة بدعم الزوج، وتحول دور الخادمة من مدير ومدبر أساسي للمنزل إلى دور المساعد، وتحقيق الدعم النفسي والاجتماعي من خلال اللحمة بين الزوجين، ما يسهم في رفع المناعة والصلابة النفسية لمواجهة الفيروس.

طلبات الانفصال

تقول: «أسهمت الأزمة في إعادة النظر حول المشكلات القائمة بين الأزواج كإعادة النظر في طلبات الطلاق لبعض الحالات القائمة في المحاكم، كما أسهمت في تقبل كل من الشريكين للآخر كما هو، وتعديل الصورة النمطية للعلاقات بين الأزواج حسب الواقع وليس كما صورتها وسائل التواصل الاجتماعي».

وتتابع: «خلال الأزمة أسهم بعض الأزواج في الدخول إلى المطابخ والاستمتاع بمشاركة الزوجة والأبناء في إعداد الطعام، فضلاً عن متابعة الآباء للأبناء ومتابعة أنشطتهم والتعرف إليهم عن قرب، بما زاد من تقدير وتفهم الأزواج لطبيعة معاناة الزوجة الأم».

وتابعت: «العديد من الأزواج أكدوا أن الأزمة ساعدتهم على مشاركة زوجاتهم في تحريك وإعادة تصميم ديكورات المنازل، ما خلق جواً من التجديد ووفر المزيد من الاسترخاء»، مؤكدة أن فترة البقاء في المنزل منحت أفراد الأسرة فرصاً للانضمام إلى برامج تدريبية متنوعة عن بعد، بما أسهم في صقل مهاراتهم المختلفة.

التواصل الفعال

رأت شيخة سعيد الزحمي من إدارة مساندة الأسرة في مؤسسة التنمية الأسرية، أن التواصل الفعال بين الزوجين، هو من أهم محاور الاستقرار النفسي في مؤسسة الزواج، ومفتاح العلاقات الزوجية الناجحة، مؤكدة أن التواصل الفعال يمكن أن يبدد كل المشكلات في لحظات، وأن عدم الاستماع بشكل كافٍ هو أهم وأبرز أسباب التوتر والمشاكل في العلاقة الزوجية.

وتقول: «كلما زادت نسبة الاستماع والإنصات الجيد والفهم بين الزوجين، كلما شعر الطرف الآخر بأنك تستمتع إلى ما يقوله، وترغب في معرفة المزيد، وهذا الاهتمام يشعر المتحدث بأنه محل احترام، وأن المستمع يرغب في مساعدته ومشاركته في الأفكار والمشكلات التي تدور في ذهنه».

وتتابع: «لاحظنا تزامناً مع محاربة انتشار فيروس كورونا، حضوراً لافتاً من الأزواج من كلا الجنسين في الورش التي تقدمها المؤسسة لمساندة الأسرة، والتي تستهدف إدارة الخلافات الأسرية بصورة صحيحة، بما يعكس اهتمام الأزواج والزوجات بتنمية مختلف مهاراتهم سعياً إلى إنجاح حياتهم الزوجية».

وتضيف: «تتضمن الورش كذلك تنمية المهارات الحياتية في التغلب على المشكلات، وأسس ومبادئ الحياة الزوجية السليمة، وآلية التواصل للزواج الفعال والتخطيط لاستدامة الأسرة، فضلاً عن مهارات التعامل وفق الفروق بين الجنسين وكيفية قياس معايير السعادة».

انخفاض كبير

يؤكد المحامي ناصر الحمادي وجود انخفاض كبير في دعاوى الطلاق تزامناً مع محاربة انتشار فيروس كورونا، قائلاً: «الحياة بعد فيروس كورونا تغير العديد من الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم، وآخرون تغيرت رواتبهم، وهو ما نتج عنه تراجع العديد من النساء عن تفكيرهن في الطلاق؛ نظراً لتغير الحالة المادية لدى الطرفين».

ويقول: «أي حالات تأتي إلينا مطالبة برفع دعوى طلاق وكانت الأسباب لا ترتقي لرفع الدعوى كأن تكون الزوجة تطلب الطلاق لأن الزوج يضربها أو لا ينفق عليها وعلى أبنائه أو غير ذلك، لا نلجأ للقضاء ونسعى بقدر الإمكان إلى حل المشكلات ودياً، من خلال تقديم استشارات أسرية في مكاتب المحاماة أو حلها عن طريق عقد اتفاقيات صلح لدى التوجيه الأسري في المحكمة؛ لأن المشكلات لا ترتقي لرفع دعوى طلاق».

ويضيف: «أسهم الوجود في المنزل لفترات طويلة لاسيما خلال فترات التعقيم الوطني في رفع وعي الأزواج بالأدوار التي تقوم بها الزوجات، وإدراك الجهود التي يبذلنها طوال اليوم. فالعديد من الرجال كانوا يقضون أغلب أوقاتهم في الخارج مساء وفي أعمالهم صباحاً ولا يعلمون شيئاً عن المشقة التي تتحملها النساء في تربية أبنائهم، ولاسيما النساء العاملات أيضاً».

ويتابع: «يلعب الأهل دوراً كبيراً في دعاوى الطلاق فبعض الأهل يرشدون الزوجة ويحاولون الإصلاح حفاظاً على كيان الأسرة، وفي المقابل يقوم آخرون بتأجيج المشكلات بين الزوجين وتشجيع الزوجة على اللجوء للقضاء وإتمام الطلاق، غير عابئين بمخاطر الطلاق على الزوجة وعلى الأبناء وتأثيراته المستقبلية النفسية والاجتماعية عليهم».

ويشير إلى أن الأزواج والمقبلين على الزواج بشكل عام يحتاجون إلى رفع وعيهم وتثقيفهم بمهارات التعامل مع الآخر، وطرق حل المشكلات الزوجية والتعامل معها، وسبل إنجاح الحياة الزوجية والعبور بسفينة الأسرة إلى بر الأمان، قائلاً: «نلاحظ في الآونة الأخيرة طلب العديد من الزوجات للطلاق لأسباب ضعيفة لا تستحق هدم الأسرة، ويمكن حلها ودياً بسهولة».

أوقات فراغ

المحامية ربيعة عبد الرحمن ترى أن أهم أسباب الخلافات الزوجية التي نشبت خلال أزمة كورونا، هو عدم معرفة كل من الزوجين لحقوقه وواجباته، وكل منهما يريد الحصول على حقوقه دون القيام بواجباته، وغياب مهارات التعامل مع الآخر وقت الغضب، إضافة إلى عدم مراعاة الطرفين لظروف الآخر وانشغاله.

وتقول: «عدم استغلال أوقات الفراغ واستثمارها في أشياء مفيدة للطرفين، كان أحد أهم أسباب المشكلات الزوجية خلال أزمة كورونا»، مؤكدة على أن أهم سبل تقليل الخلافات الأسرية هو إلزام المقبلين على الزواج بحضور جلسات أو دورات تؤهلهم خلال فترة الخطبة إلى التعامل مع الخلافات مع الآخر، ومهارات حل المشكلات الأسرية.

زيادة في حالات الإرشاد

يقول عرفات الكعبي من قسم الإرشاد الأسري في مؤسسة التنمية الأسرية: «تزامناً مع أزمة كورونا شهدنا زيادة ملحوظة في عدد حالات الإرشاد الأسري التي نستقبلها، نتيجة توفير خدمة الإرشاد الأسري عن بعد، خلافاً للسابق حين كان توفيرها بالتواصل المباشر». ويضيف: «امتد توفير خدمة الإرشاد الأسري تزامناً مع محاربة انتشار فيروس كورونا من 8 صباحاً وحتى 8 مساء، وخلال أوقات الإجازات أيضاً، وهو ما أسهم في كسر الحواجز الزمانية والمكانية وتوسيع مظلة الأزواج المستفيدين من خدمة الإرشاد الأسري، حفاظاً على لحمة الأسر وتكاملها، وتجنباً للتفكك الذي يؤثر بطبيعة الحال في الأبناء، لاسيما مع توافر أوقات فراغ أطول لدى الأزواج خلال هذه الفترة».

وفي ما يتعلق بالمشكلات الأسرية، أكد أن الأزواج الذين لديهم قدر من التفاهم والتواصل ويرغبون في مواصلة الحياة سوياً ولو من أجل أبنائهم، منحتهم أزمة كورونا فرصاً أكبر لقضاء أوقات أطول مع بعضهم البعض زادت من تفهم كل منهما للآخر وتقديره لجهوده، وفي المقابل زادت أزمة كورونا من مشكلات أزواج آخرين نتجت عن وجودهم في المنازل سوياً لأوقات طويلة، زيادة مشكلاتهم.

متابعة مباشرة

يشير المحامي الدكتور رائد العولقي، إلى وجود زيادة في الخلافات والمشكلات الزوجية بالتزامن مع أزمة فيروس كورونا، ويقول: «الرجال في الدول الخليجية بشكل عام لا يقضون أوقاتاً طويلة في منازلهم، ففي الصباح في أعمالهم وفي المساء يذهبون للقاء أصدقائهم، ولكن مع محاربة انتشار فيروس كورونا وتطبيق التباعد الاجتماعي، لم يعد الأزواج يلتقون أصدقاءهم مقارنة بالسابق».

ويرى أن بقاء الأزواج في المنازل لأوقات طويلة أسهم في زيادة المشكلات الزوجية نتيجة لتدخل الزوج في شؤون كثيرة لم يكن يتدخل فيها في السابق، ومتابعته المباشرة لإنجاز أعمال المنزل وإدارة الزوجة له، بما كان أحد أسباب تأجيج المشكلات بين الأزواج ولاسيما في بداية أزمة كورونا، فضلاً عن شعور الزوج بشكل خاص بالملل لعدم اعتياده الوجود في المنزل لفترات طويلة.

ويضيف: «نواجه في الآونة الأخيرة موجة طلاق، فالعديد من الزوجات اللائي يعانين مشكلات أسرية يلجأن للقضاء مباشرة، دون محاولات جادة في حل مشكلاتهن والتغاضي عن بعض الأمور التي يسهل التعامل معها، دون إدراك لمخاطر الطلاق والعقبات اللاحقة على الأزواج والأبناء».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"