توازن القوى في الولايات المتحدة

حركات السود خارج الحزبين الرئيسيين
23:09 مساء
ترجمة وعرض:
نضال إبراهيم
قراءة 8 دقائق
1
1
1

عن المؤلف

الصورة
1
عمر ه . علي
* عمر ه. علي عميد كلية لويد الدولية الشرفية وأستاذ تاريخ الشتات الإفريقي العالمي والمقارن في جامعة نورث كارولينا (جرينسبورو). تخرج في كلية لندن للاقتصاد، وحصل على الدكتوراه في التاريخ من جامعة كولومبيا، ونال لقب «أستاذ العام» في مؤسسة كارنيجي في نورث كارولينا. له العديد من المؤلفات آخرها هذا الكتاب: «توازن القوى في الولايات المتحدة»

تأليف: عمر ه . علي

عرض وترجمة: نضال إبراهيم

على الرغم من أن الأمريكيين يشيرون عادةً إلى هيكل النظام السياسي على أنه نظام ثنائي الحزب، فإن الأحزاب أو الجهات الثالثة والحركات السياسية المستقلة الأخرى كانت سمة ثابتة في التاريخ الأمريكي. اليوم، هنالك من الأمريكيين من يشعر بأن الحزبين الرئيسيين فشلا في التعبير عن مصالحهم ومخاوفهم؛ لذلك يجدون أنفسهم يسيرون في دعم خط آخر.

أجبرت الأحزاب الثالثة، بحسب تعبير الكاتب، على الدخول في قضايا المجال العام التي سعى نظراؤها الأكبر إلى تجنبها، مثل: العبودية قبل الحرب الأهلية، ومحنة المزارعين في عصر الشعبوية. على الرغم من أن حزباً ثالثاً فقط، وهو الحزب الجمهوري، في الخمسينات من القرن التاسع عشر، ارتقى بالفعل إلى تسلم زمام السلطة الوطنية، وقد أثّر الكثيرون عبره على سياق التاريخ الأمريكي من خلال استنطاق السخط الصامت بطريقة ما.

 في الواقع، نشأت العديد من الأفكار التي تم اعتبارها على نطاق واسع أمراً مُسلماً به، ويُفترض أنها سمات خالدة في الثقافة الأمريكية من حركات سياسية مستقلة، سواء كانت منظمة كأحزاب سياسية أو تتخذ أشكالاً أخرى. على سبيل المثال، تم تطوير فكرة الحرية باعتبارها استحقاقاً عالمياً من قبل دعاة إلغاء عقوبة الإعدام، الذين طوروا فكرة المواطنة المتساوية بغض النظر عن العرق. نشأت الفكرة الحديثة للخصوصية - توسيع الحقوق الفردية إلى أكثر مجالات الحياة الشخصية حميمية - من جهود أجيال من النساء؛ لضمان تحكم النساء بحياتهن.

 يشير الكتاب في مقدمته إلى أنه «بدون تعبئة سياسية خارج نظام الحزبين، من الصعب تخيل التقدم الذي تم إحرازه في نصف القرن الماضي نحو هدف المساواة في الحقوق والفرص لجميع الأمريكيين، بغض النظر عن العرق. لقد جعلت الحركات السياسية المستقلة هذا المجتمع أفضل. بالنسبة للأمريكيين السود، شكل نظام الحزبين التقليدي مجموعة معينة من التحديات. قبل الحرب الأهلية، كانت الأغلبية العظمى من الأمريكيين الأفارقة، بالطبع، عبيداً، محرومين من جميع الحقوق القانونية والسياسية، حتى أولئك الذين كانوا أحراراً عموماً كانوا يفتقرون إلى الحق في التصويت؛ لذلك كان يجب أن يتم العمل السياسي، بحكم التعريف تقريباً، خارج حدود الأحزاب الرئيسية».

 بعد التجربة القصيرة مع الديمقراطية بين الأعراق خلال عصر إعادة الإعمار الذي أعقب الحرب الأهلية، تجاهل الحزبان (الديمقراطي والجمهوري) محنة الأمريكيين السود. ومع ذلك، حينما كانوا قادرين على التصويت، دعم السود عموماً الحزب الجمهوري الذي حرر العبيد. خلال ثلاثينات القرن الماضي، بدأ ولاء السود الانتخابي بالتحول إلى الديمقراطيين، وهو اتجاه بلغ ذروته في الانتخابات الأخيرة، عندما دعم أقل من 10 في المئة من الناخبين السود المرشح الجمهوري للرئاسة.

 تاريخ المشاركة السياسية

 يتتبع المؤلف عمر علي في هذا الكتاب، تاريخ مشاركة السود في جهات أو أحزاب ثالثة وفي أشكال أخرى من النشاط السياسي. يتطرق عمله إلى الموضوعات التي ألهمت أدباً تاريخياً واسع النطاق، مثل: إلغاء العبودية وحزب الفهود أو النمور السود (حركة حقوقية لسود الولايات المتحدة نشأت بعد مقتل مالكوم إكس وما أعقبه من توترات راح ضحيتها أكثر من 300 مواطن أسود، ودخلت في مواجهات مع الشرطة حينها) وعلى أجزاء أقل شهرة من هذا التاريخ، بما في ذلك مشاركة السود في الأحزاب الاشتراكية والتقدمية والشيوعية. 

 «ربما لكونهم المجموعة الأكثر اضطهاداً تاريخياً بشكل منهجي في الولايات المتحدة، فقد يُعتقد أن السود يرحبون بالحركات من أجل تغيير اجتماعي بعيد المدى، وفي الواقع، غالباً ما استجابوا بحماس لمثل هذه الحركات؛ لكن في الوقت نفسه، لم يحقق سوى عدد قليل جداً من المنظمات السياسية المستقلة التي يهيمن عليها البيض انسجاماً حقيقياً بين السود والبيض. 

 «من الناحية السياسية، وجد القادة الأمريكيون من أصل إفريقي صعوبة في تحديد المكان الذي يبحثون فيه عن حلفاء في المجتمع الأكبر، أو ما إذا كانوا سيتجنبون الحلفاء البيض تماماً لمصلحة الانفصالية. من الناحية المفاهيمية، لم يتوصلوا أبداً إلى إجماع حول كيفية تحديد وضع الأمريكيين السود، وهو سؤال له تداعيات عميقة على إيجاد الاستراتيجية الصحيحة للتغيير السياسي. هل السود أعضاء في مجموعة عرقية، على غرار الأمريكيين البولنديين، والأمريكيين الإيطاليين، والأقليات المهاجرة الأخرى، بالتالي في هذه الحالة ينبغي أن يعملوا كمجموعة ضغط سياسي تسعى إلى انتخاب المزيد من أعضائها في المناصب والحصول على شريحة أكبر من الكعكة السياسية؟ هل هم أعضاء في «مستعمرة داخلية» يشبه وضعها الشعوب المستعمَرة في العالم الثالث، وفي هذه الحالة يطرح تقرير المصير أو حتى الفصل العنصري نفسه، بدلاً من السعي وراء قوة أكبر داخل النظام القائم؟ أم أنهم يعدون أعضاء مضطهدين في الأساس من الطبقة العاملة، والذين يجب عليهم تشكيل تحالفات مع العمال الآخرين على أساس المصالح الطبقية المشتركة؟ إذا ثبت أن هذه الأسئلة مستعصية على الحل، فمن الصحيح أيضاً أن العديد من الحركات السياسية المستقلة التي يهيمن عليها البيض لم تعالج بشكل فعّال المحنة الكبيرة للأمريكيين الأفارقة كعبيد وأحفاد عبيد وضحايا لأشكال من الاضطهاد لم يمر بها الأمريكيون الآخرون.

 احتمالات جديدة

 يقول الكاتب عمر علي: طوال تاريخ الولايات المتحدة، دعم الأمريكيون الأفارقة الحركات الداعية إلى الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والإصلاح الاقتصادي والسياسي. منذ منتصف القرن التاسع عشر، فعل الأمريكيون الأفارقة ذلك من خلال مجموعة من التكتيكات السياسية المستقلة، بما في ذلك إنشاء أو الانضمام إلى أحزاب ثالثة قائمة، ودعم المتمردين أو المرشحين المستقلين، وإدارة حملات الاندماج، والضغط على المسؤولين المنتخبين بدعم من مختلف التحالفات والمنظمات.

 ويضيف: في حقبة ما بعد الحقوق المدنية تواجهنا الأوبئة وعدم اليقين السياسي، كما أن هناك أيضاً احتمالات جديدة، ويرى أن الناخبين الأصغر سناً، الأقل ارتباطاً بقيادة الحرس القديم لحركة الحقوق المدنية يعرّفون أنفسهم بشكل متزايد على أنهم من المستقلين - أي ليسوا من الديمقراطيين ولا من الجمهوريين - وهم يفعلون ذلك بمستويات قياسية. أظهر استطلاع حديث أجرته جامعة «تافتس» أن أكثر من 44 في المئة ممن تراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً يعدون مستقلين؛ في غضون ذلك، تُظهر استطلاعات مركز «بيو للأبحاث» أن أكثر من واحد من كل أربعة أمريكيين من أصل إفريقي عبر جميع الفئات العمرية يعلنون باستمرار استقلالهم. من المؤكد أن الحياة في الولايات المتحدة لن تكون كما هي أبداً في أعقاب جائحة كورونا التي أودت بالعديد من الأرواح، ودمرت العديد من المجتمعات، وقلبت اقتصاد البلاد. ومات عدد غير متناسب من السود في الوباء، نتيجة انتشار الفقر بين الأمريكيين الأفارقة والأشكال المستمرة من العنصرية المؤسسية تجاه السود والفقراء. بشكل مأساوي، ساهم التحزب في فشل الحكومة في التصرف بسرعة حاسمة في مواجهة هذا الوباء. لكن التاريخ يوفر أيضاً بعض الأدلة لما قد يأتي فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية الإفريقية حتى مع استمرار الوباء بكامل قوته. كما يلاحظ مايكل داوسون أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو، «عمل الأمريكيون من أصل إفريقي على تعزيز مصالحهم السياسية والاقتصادية من خلال دعم أطراف ثالثة وإنشاء تحالفات جديدة». من خلال القيام بذلك، أحدثوا بعض التغييرات الأساسية والأبعد مدى في الجمهورية: إلغاء العبودية، وتوسيع حق التصويت، وسن الحقوق المدنية وإنفاذها. ما يحدث في المستقبل غير معروف. ما نعرفه هو أن القادة السود من المستقلين وحلفائهم، الذين انضموا إلى جماهير الأمريكيين الأفارقة العاديين، لم يكونوا فقط بوصلة أخلاقية للشعب؛ لكنهم كانوا قوة سياسية منظمة للتغيير التدريجي.  أشارت دراسة استقصائية، نشر الكاتب تفاصيلها، أجرتها جامعة شيكاغو لعام 2019 إلى أن ما يزيد على 38 في المئة من الأمريكيين الأفارقة الذين تراوح أعمارهم بين 18 و36 عاماً لم يتعاطفوا مع الحزبين الرئيسيين؛ وهؤلاء هم جزء من حركة ناشئة للأمريكيين الأفارقة والمستقلين البيض التي تضم تحالفات سوداء ومستقلة. وعلى الأخص، في عام 2008، احتشد تحالف أسود ومستقل حول ترشيح المتمردين للسيناتور باراك أوباما في محاولته ليصبح رئيساً للولايات المتحدة.

أسئلة سياسية

 ما نوع العلاقة التي يمكن أن يقيمها السود مع الحركات السياسية كالشعبويين؟ أو مع حركات ترتكز على نموذج الفرد الحر الذي يقف ضد الدولة والمجتمع؟ أم مع النقابية والاشتراكية والشيوعية التي رأت أن الطبقة الاجتماعية هي الخط الفاصل الأساسي في المجتمع الأمريكي؟ لا يبدو أن أياً من هذه الأيديولوجيات ذات صلة كاملة بالتجربة السوداء. لم يكن السود أفراداً مملوكين؛ إذ إن معظمهم كانوا من ضمن الممتلكات قبل الحرب الأهلية. ساعدت فكرة الفرد الحر على إلهام الحملة ضد العبودية، التي شارك فيها العديد من السود، لكنها أثبتت أنها غير قادرة على حل المحنة الاجتماعية والاقتصادية للأشخاص المحررين بعد التحرر. أخيراً، واجهت الحركات القائمة على الطبقة الاجتماعية مشكلة مزدوجة في جذب دعم السود. من ناحية، كانت هناك حقيقة بسيطة للعنصرية في العديد من النقابات. ربما الأهم من ذلك، حتى تلك الحركات الطبقية التي بذلت جهوداً حقيقية لتجنيد دعم السود، أخضعت بشكل عام القضايا العرقية لقضايا الاستغلال الطبقي، وحددت مكانة السود كجزء من محنة البروليتاريا أو صغار المزارعين.

 نادراً ما تمت معالجة التجربة التاريخية المحددة للسود كجزء من الطبقة العاملة في سوق عمل مجزأ بشدة، والخاضعة للإعدام خارج نطاق القانون، والفصل العنصري، والحرمان من الحقوق، بشكل منهجي من قبل مثل هذه الحركات. علاوة على ذلك، توجّه صراخهم الحاشد، وتضامن جميع العمال، السود والبيض، إلى مواجهة التجربة اليومية للأمريكيين السود. كما يوضح الكاتب، يعود التيار الرئيسي للفكر السياسي الأسود إلى حركة إلغاء العبودية، ما أطلق عليه المؤرخ فنسنت هاردينغ: التقليد العظيم لسياسة السود التي تهدف إلى دمج السود بالكامل في الحياة الأمريكية. أصر القادة السود مثل فريدريك دوغلاس على أن الدولة لا يمكن أن تكون أبداً وفية لعقيدتها المعلنة عن المساواة، حتى تم إلغاء العبودية، ويتمتع الأمريكيون من أصل إفريقي بنفس الحقوق والفرص التي يتمتع بها البيض.

ومع ذلك، جادل آخرون، مثل مارتن ديلاني المعاصر لدوغلاس، بأن العبودية والعنصرية هما جزء لا يتجزأ من المجتمع الأمريكي، وأن السود لا يمكنهم تحقيق الحرية الحقيقية إلا من خلال خلق وجودهم القومي، ويفضل، بالنسبة إلى ديلاني، أن يكون في إفريقيا أو منطقة البحر الكاريبي. لقد قدم تقرير المصير، وليس الاندماج، المسار السياسي المناسب. اقترح هذا التحليل ضرورة وجود منظمات سياسية سوداء منفصلة، بدلاً من التحالفات مع البيض من ذوي العقلية الإصلاحية. كما يوضح علي، فإن هذا التوتر، بشكل أو بآخر، موجود في كل حقبة من التاريخ الأمريكي حتى يومنا هذا. سواء كان العمل السياسي المستقل أو العمل داخل أحد الحزبين الرئيسيين يوفر أفضل أمل لتحسين حالة الأمريكيين السود، لا يزال بالطبع نقطة نقاش اليوم.

 يتحدث الكتاب أيضاً في فصول الكتاب السبعة عن مجموعة متنوعة من الهياكل والاستراتيجيات السياسية التي اختارها السود على مدار التاريخ الأمريكي في السعي لتحقيق هدف العدالة العرقية، إلا أن الكاتب يؤكد أن السياسة المستقلة ليست هي النهج الوحيد، ولكن لها تاريخ طويل، والذي أدى في العديد من النقاط إلى تنشيط مجتمع السود، وساعد في جعل أمريكا مكاناً أفضل لجميع أفراد شعبها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

نضال إبراهيم

كتب مشابهة

1
جوردان تاما
1
جون ميرشايمر وسيباستيان روساتو
1
مايكل دبليو دويل
1
سيدريك جي جونسون

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

1
ميريام لانج وماري ماناهان وبرينو برينجل
جنود في كشمير
فرحان م. تشاك
1
داون سي ميرفي
1
مايكل كريبون
لاجئون سوريون في تركيا
لميس علمي عبد العاطي
1
ديزيريه ليم
1
جيمي دريبر
1
جورج ج. فيث