عادي

سارويان..كتابة مرحة تدعو إلى التأمل

23:01 مساء
قراءة 3 دقائق
سارويان

القاهرة:  «الخليج»

يُعرف الكاتب الأمريكي، ذو الأصول الأرمينية، وليام سارويان (1908-1981) بكتاباته القصصية، والمسرحية المتفردة، التي لا تعنى عناية كبيرة بقوانين الصراع الدرامي، المتعارف عليها لدى غيره من كتاب المسرح، ونالت مسرحيته «قلبي في الأراضي المرتفعة» عام 1939 جائزة المسرح في نيويورك، وتحولت مسرحيته «أيام حياتك» إلى فيلم سينمائي سنة 1948 وكان قد فاز بجائزة بوليتزر عن تلك المسرحية، التي تعتبر أفضل مسرحياته، لكنه رفض تسلم الجائزة، بحجة أنه يرفض الجوائز الأدبية.

على أن أشهر أعماله المسرحية جملة من الأعمال الكوميدية: «الكوميديا الإنسانية– الكوميديا الباريسية– الكوميديا اللندنية» وقد استلهم هذه الأعمال من رحلته الطويلة إلى أوروبا، التي بدأها في أثناء الحرب العالمية الثانية.

لم تخل حياة سارويان من تقلبات اجتماعية، فقد تزوج أكثر من مرة، وأنجب عدداً من الأبناء بينهم «آرام» وكان شاعراً، كتب عن أبيه كتاباً بعنوان «وليام سارويان» نشره سنة 1983 أي بعد وفاة والده بعامين، وهنا ينبغي أن نقول إن سارويان لديه مجموعة قصصية بعنوان «اسمي آرام» ترجمها إلى العربية فتحي الجميل وسلوى النعيمي.

هذه المجموعة كانت من أكثر الكتب مبيعاً على مستوى العالم، حين صدرت طبعتها الأولى عام 1940، وتدور حول صبي صغير، وشخصيات ملونة من عائلته المهاجرة، وقد تُرجمت المجموعة إلى لغات عدة، وفيها يستلهم سارويان كثيراً من طفولته وتجاربه الخاصة في الحياة، ومن تجارب الأرمن المهاجرين، وتتناول هذه المجموعة القصصية شخصية فتى مشاغب لعائلة أرمينية مهاجرة، يخوض جملة من المغامرات الطريفة، التي تنطوي على قدر كبير من العمق الفلسفي.

يكتب سارويان في «اسمي آرام»، سيرة طفولته المرحة، ويتشابه بناء العديد من قصص المجموعة، لأنها كتبت من وجهة نظر طفل؛ إذ في بساطة اللغة التي كتب بها بساطة الطفولة، والأسلوب المكرر المعاد.

وتخبر المجموعة عن روح شرقية كامنة في سارويان، وفي خضم الكتابة تصوير للعنصرية الكامنة في الشعب الأمريكي ذي الأصول الأوروبية ضد الهنود الحمر، والروح المادية التي تتغلب على ما سواها، من نظرات عنصرية أو تمييز عرقي أو طبقي.

على أن أسلوب الكتابة لا يخبر عن المنطق الطفولي الذي تقمصه سارويان فحسب؛ بل يخبر كذلك عن روح سردية وحوار يتمتع بنزعة شفوية لا تخطئها العين، فالسرد كأنه ينبع من الذاكرة، ولا يخاطب غير الذاكرة، هذه النزعة الشفوية لا يكف سارويان عن التذكير بها، فالتربية التقليدية التي تلقاها، غرست فيه روح وطن آبائه، وظل هو يحافظ على كثير من عاداته، ويرى فيه كل العالم.

يرسم سارويان، عالماً مرحاً حزيناً بريئاً، يحمل من التناقضات ما يجعله عالماً طريفاً، لكنه يدعو إلى التأمل؛ إذ صنع الكاتب شخصيات طفولية، وأحداثاً تجعلك تتأمل الحياة والطبيعة والإنسان، وينبهنا إلى عجز اللغة عن التعبير الصادق، وتحويلها إلى قناع زائف، يخفي المعنى الحقيقي، لذلك يتخذ بعض شخصياته من الصمت لغة بديلة، تغنيه عن لغو اللغة.

تمجد كتابات سارويان، روح التفاؤل في خضم إحباطات الحياة وتناقضاتها، وقد استلهم معظمها من تجاربه الخاصة، ما أضفى عليها بعداً شعرياً، تجلى في ما حاول أن يؤسس له من أسلوب شعري في كتابة القصة القصيرة، وإذ درت عليه أعماله أموالاً طائلة، فإنه عانى جملة من المصاعب المالية، بسبب تراجع مبيعات كتبه، بعد الحرب العالمية الثانية، وقد تعرض لحملة نقدية عنيفة؛ حيث أخذ عليه بعض النقاد نزعته العاطفية، وأنه مثالي في عهد أصبحت المثالية فيه بمثابة سبة.

كتب سارويان، عن حياة المهاجرين الأرمن في كاليفورنيا، وقد وصفه النقاد بأنه: «أحد أبرز الشخصيات الأدبية في منتصف القرن العشرين» وأنه «أحد أكثر الكتاب المستهان بهم في القرن الحادي والعشرين، وينبغي أن يأخذ مكانه بشكل طبيعي، جنباً إلى جنب مع هيمنجواي وشتاينبك وفوكنر».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"