عادي

مصير الحروب التجارية الأمريكية يتحدد بعد 3 نوفمبر

21:44 مساء
قراءة 7 دقائق
الحرب التجارية

بعد أربع سنوات في السلطة، يرى المراقبون أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فشل في تحقيق وعده بخفض العجز التجاري للولايات المتحدة، بينما وجّه ضربة سيطول أمدها للنظام الاقتصادي التعددي الذي يشكّل أساس التجارة العالمية، بحسب محللين.

لكن حتى وإن فاز منافسه الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية، يرجّح أن تبقي السياسة التجارية للولايات المتحدة على شيء من الحمائية وأن تتواصل المواجهة مع الصين.

وكان من بين أبرز المواضيع التي ركّزت عليها حملة ترامب في 2016 أن الولايات المتحدة - أكبر قوة اقتصادية في العالم- تُستغَل من قبل شركائها التجاريين. وتعهّد الرئيس بإحداث تحوّل بترتيبات التجارة العالمية وخفض العجز التجاري لبلاده.

أحدث دونالد ترامب تحوّلاً في منظمة التجارية العالمية لكن العجز التجاري للولايات المتحدة ازداد في عهده بينما يشير محللون إلى أنه لم يحقق الكثير في هذا الصدد.

ويشير الأستاذ في جامعة كورنيل إسوار براساد إلى أن «سياسات ترامب التجارية حققت مكاسب قليلة ملموسة للاقتصاد الأمريكي بينما قوّضت المنظومة التجارية متعددة الأطراف، ما تسبب بدوره بخلل في التحالفات طويلة الأمد مع شركاء الولايات المتحدة التجاريين وأحدث حالة من الضبابية».

وبينما تقلّص بالفعل العجز التجاري بين الولايات المتحدة والصين -هدف ترامب الأساسي- فإن الواردات من كندا والمكسيك ارتفعت بشكل كبير، وهو ما عمّق العجز الإجمالي.

وأفاد أستاذ العلوم الاقتصادية لدى جامعة باريس دوفين غيانلوكا أوريفيتشي، بأن رفع الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على العديد من المنتجات «حمى المصنّعين الأمريكيين». لكن هذه الرسوم رفعت في الوقت ذاته تكاليف الإنتاج بالنسبة للصناعات الأمريكية وأظهرت مدى الاعتماد على المورّدين الصينيين.

التدمير لا البناء

باتت البنية التحتية الاقتصادية العالمية اليوم في حالة تغيّر عميق.

ويقول الصحفي والكاتب المتخصص في السياسة التجارية الأمريكية من مجلس العلاقات الخارجية للأبحاث إدوارد ألدن: « إن سياسته كانت بكل وضوح مضرة بشكل كبير بالنسبة لأوروبا ومنظمة التجارة العالمية، وهو أمر سيصعب إصلاحه».

وشلّ رفض ترامب تعيين قضاة جدد نظام فض النزاعات في منظمة التجارة العالمية، ما شكّل ضربة لجهاز تحكيم نظام التجارة العالمي متعدد الأقطاب.

بدوره، أفاد سبستيان جان مدير مركز الدراسات المستقبلية والمعلومات الدولية، وهو المركز الفرنسي الرئيسي المعني بالأبحاث والاقتصاد الدولي، بأن «دونالد ترامب أظهر أنه قادر على التدمير لكنه غير قادر على البناء». وأضاف: «عند النظر إلى ما حصل عليه من الصين، يشعر المرء بالرغبة في القول: كل هذا من أجل ذلك؟».

وتركت الهدنة التي تم التوصل إليها في كانون الثاني/يناير لإنهاء الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين مسائل خلافية رئيسية دون حل على غرار سرقة الملكية الفكرية والنقل القسري للتكنولوجيا.

السياسية العشوائية 

في الأثناء، «أدت تصريحات إدارة ترامب وقراراتها السياسية العشوائية إلى نظرة (عامة) للولايات المتحدة على أنها شريك تجاري لا يمكن الاعتماد عليه ولا الوثوق به»، بحسب براساد من جامعة كورنيل.

ودفع الأمر دولاً معينة لتجاوز الولايات المتحدة وإبرام اتفاقيات تجارية ثنائية أو متعددة الأطراف على غرار مضي دول منطقة الهادئ قدماً في التوصل إلى اتفاق بعدما أعلن ترامب انسحاب بلاده من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ.

وروّج ترامب لمهاراته في إبرام الاتفاقيات باعتباره رجل أعمال ناجحاً قبل انتخابه، لكنه لم يبد الكثير من الفهم للمفاوضات التجارية متعددة الأطراف الحساسة والصعبة.

وبدلاً من ذلك، فضّل التعبير علناً عن امتعاضه من قطاع السيارات الألماني والضرائب الفرنسية على شركات التكنولوجيا العملاقة.

تغيير قواعد اللعبة 

أدت سنوات ترامب الأربع في السلطة إلى «ضعف المنظومة التجارية متعددة الأطراف متجسّدة بمنظمة التجارة العالمية التي لعبت الولايات المتحدة دوراً أساسياً في تأسيسها»، بحسب براساد.

ومن شأن ذلك أن يصعّب تحقيق الكثير فيما يتعلّق بالتعاون لدعم تعاف مستدام للاقتصاد العالمي من أزمة فيروس كورونا.

ويرجع الصحفي ألدن فضل النجاح في إعادة التفاوض على اتفاقية أمريكا الشمالية للتجارة الحرة مع كندا والمكسيك إلى ترامب، الذي دعم الجمهوريون والديمقراطيون على حد سواء جهوده في هذا الصدد.

كما أن جان يشير إلى فضل الرئيس الأمريكي في تغيير قواعد اللعبة حيال الصين، وهو أمر ساهم في دفع الاتحاد الأوروبي لتغيير سياسته تجاه بكين، بما في ذلك انضمام دول أوروبية عدة إلى الولايات المتحدة في حظر معدات أنظمة اتصال الجيل الخامس من الإنترنت التابعة لهواوي.

وأفاد مركز الأبحاث الأوروبي «بروغل» الذي يتخذ من بروكسل مقراً بأنه يعتقد أن فوز بايدن سيعني عودة إلى الأسلوب الأمريكي الأكثر لباقة في الدبلوماسية. لكن المضمون قد لا يتغيّر كثيراً.

تشدد حيال الصين

قال ألدن إن «الخلافات بين ترامب وبايدن بشأن التجارة أصغر من تلك المرتبطة بالعديد من المسائل الأخرى».

وتشددت مواقف الديمقراطيين والجمهوريين في السنوات الأخيرة حيال الصين، التي لا ينظر إليها على أنها خصم يجب احتواؤه إذ إنها لم تتطور إلى اقتصاد سوق حر كما كان يؤمل.

وقالت فيكي ريدوود من «كابيتال إيكونوميكس» إنه «في ظل أي المرشحين، يرجّح أن يتسع نطاق الحرب الاقتصادية».

وأضافت أن «الحرب التجارية كانت في الأساس أمراً لا بد منه نظراً لصعود الصين اقتصادياً وتواصل ذلك بمستويات عالية من التدخل من قبل الدولة بدلاً من تبني قوى السوق». 

العلاقات مع أوروبا

على الصعيد الأوروبي، استقبلت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في 2016 فوز دونالد ترامب في الانتخابات بتحذير استثنائي مفاده أنها ستتعاون مع الرئيس الأمريكي شرط احترامه القيم الديمقراطية. لكن لم تتحسن الأمور مذاك.

وبعد أربع سنوات، أحدثت خطوات ترامب المشددة في السياسة الخارجية والتي كشف عنها مراراً بتغريدات معبّرة عن غضبه، شرخاً ليس مع ألمانيا فحسب، بل مع معظم دول أوروبا.

وقالت سودها ديفيد-ويلب من مركز «صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة» إن «العلاقة عبر الأطلسي باتت فعلياً على جهاز الإنعاش».

وأفاد الخبراء بأنه حتى وإن فاز المرشح الديمقراطي جو بايدن في انتخابات الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر، فلن يكون هناك حل سحري يردم الهوة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وأظهرت استطلاعات للرأي أجراها مؤخراً «مركز بيو للأبحاث» أن صورة الولايات المتحدة في أوساط الأوروبيين تراجعت إلى مستويات قياسية، حيث لم يعد إلا 26 في المئة من الألمان ينظرون بشكل إيجابي الآن إلى القوة العظمى.

وأفاد بروس ستوكس من مركز «شاتهام هاوس» بأنه يمكن إرجاع «الحكم القاسي» هذا إلى الاعتقاد السائد بأن حكومة ترامب «أساءت إدارة أزمة كورونا المستجد».

وتضيف ديفيد-ويلب أن «الأوروبيين ينظرون إلى أمريكا ويعتقدون أن هناك العديد من المسائل الداخلية التي تفكك البلاد وبالتالي كيف يمكنها أن تكون شريكاً جيداً (في وقت كهذا)؟».

خصم 

وانطلاقاً من انسحابها من اتفاقية باريس للمناخ والاتفاق النووي الإيراني وصولاً إلى فرض رسوم على واردات الفولاذ والألمنيوم من الاتحاد الأوروبي وإضعاف منظمة التجارة العالمية، وجّه ترامب ضربة تلو الأخرى للتعددية التي يوليها الأوروبيون أهمية بالغة كنهج في التعامل مع التحديات الدولية.

وصدم حلفاء بلاده حينما وصف الاتحاد الأوروبي بأنه خصم في مجال التجارة بينما «أخاف الناس» بتودده لروسيا، بحسب ستوكس.

ولطالما كانت ألمانيا، التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، في عين عاصفة غضب ترامب لأسباب عديدة لعل أبرزها إخفاقها في بلوغ أهداف حلف شمال الأطلسي للإنفاق على الدفاع.

وحتى على المستوى الشخصي، لا يخفي أي من أقوى نساء أوروبا، التي تغادر منصبها العام المقبل، وسيد البيت الأبيض عدم استلطاف أحدهما الآخر.

فتور العلاقات 

بخلاف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي حاول إثارة إعجاب ترامب عبر عرض عسكري وعشاء مبهر في برج إيفل قبل أن تتردى العلاقات بينما، لم تحاول ميركل يوماً ملاطفة الرئيس الأمريكي المتقلّب.

وطغى الفتور على العلاقات أكثر في حزيران/يونيو بعدما رفضت دعوة لحضور اجتماع لمجموعة الدول السبع في واشنطن جرّاء المخاوف المرتبطة بفيروس كورونا المستجد. وبعد ذلك بوقت قصير، أعلن ترامب أنه سيخفض عدد الجنود الأمريكيين المنتشرين في ألمانيا.

وقال ستوكس «لديه مشكلة حقيقية في التعامل مع النساء القويات».

لكن ترامب أقام بعض الصداقات في القارة، على غرار رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي يشاطره معاداة المهاجرين. وأعرب الأخير علناً عن دعمه إعادة انتخاب الرئيس الجمهوري.

وقالت جاستينا غوتكوسكا من «مركز دراسات الشرق» إن بولندا، التي ستستفيد من إعادة نشر ترامب قوات بلاده، اختبرت «إعادة انخراط الولايات المتحدة» وتشارك واشنطن معارضتها مشروع «نورد ستريم 2» المثير للجدل لمد أنابيب غاز بين روسيا وألمانيا.

هزّة 

كان من بين الآثار غير المقصودة لولاية ترامب المضطربة الإدراك المتزايد بأن على أوروبا أن ترص صفوفها.

وقالت ديفيد-ويلب إن «ترامب بكل تأكيد أحدث هزّة».

ويدل نجاح التكتل في التفاوض على خطة ضخمة لتحفيز الاقتصاد المتضرر من تداعيات كورونا، والتي قادها كل من ميركل وماكرون، على وجود زخم جديد لتحقيق تعاون أقرب وإعادة إنعاش الشراكة الفرنسية الألمانية.

وأدت انتقادات ترامب الذي صور الأوروبيين على أنهم يستغلون الولايات المتحدة إلى رفع المساهمات في حلف شمال الأطلسي وإلى موافقة متزايدة على تحمّل الأعباء في المسائل المرتبطة بالأمن. وهناك العديد من العقبات التي يواجهها التكتل الذي يضم 27 دولة تتباين مصالحها، انطلاقاً من القلاقل المرتبطة ببريكست ووصولاً إلى الانتخابات المقبلة في دول أعضاء رئيسية.

ويعلّق ستوكس على الأمر قائلاً «إذا أردنا النظر إلى الجانب الممتلئ من الكأس، فلربما ساعدت رئاسة ترامب على تسريع الوحدة الأوروبية». (وكالات)

إعادة إحياء العلاقات 

في حال فاز بايدن، «فسيرى حاجة لإعادة إحياء العلاقات مع الحلفاء»، بحسب ديفيد-ويلب.

ويتوقع الخبراء أن يجري نائب الرئيس الأسبق زيارة إلى أوروبا بعد وقت قصير من فوزه، حال تحقق ذلك، والانضمام إلى اتفاقية المناخ وإعادة إطلاق المحادثات النووية مع إيران. لكن ستتواصل الحساسيات المرتبطة بالإنفاق الدفاعي و«نورد ستريم 2» وحملة واشنطن ضد مجموعة هواوي الصينية العملاقة للتكنولوجيا.

وفي مواجهة اقتصاد أثقل كوفيد-19 كاهله، سيتحاشى بايدن على الأرجح اتجاهات ترامب الأكثر حمائية لكن يرجّح أن تستمر رؤية ما قائمة على شعار ترامب المفضل «أمريكا أولاً» للصناعات الأكثر حساسية لبعض الوقت.

وقال ستوكس «على الأوروبيين أن يفهموا أن إدارة بايدن ستكون منشغلة للغاية بالشؤون الداخلية».

وأضاف أن ذلك يعني أن بايدن سيحيط نفسه على الأغلب بسياسيين متمرّسين في الشؤون الخارجية يمكن الاعتماد عليهم بدرجة «أكبر من العادة... لإعادة ترتيب الأمور بل حتى وضع مسار جديد».

وأشار إلى أنه في حال إعادة انتخاب ترامب، فسيكون هناك «الكثير من الترقّب» في العواصم الأوروبية بانتظار «أربع سنوات أخرى عاصفة».

لكن حتى وإن فاز ترامب بولاية ثانية فمن «الممكن جداً» للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تشكيل جبهة موحدة عندما يصب الأمر في مصلحة الجانبين في مسائل على غرار فيروس كورونا المستجد أو السياسات حيال الصين.

وقال المسؤول الألماني في الحكومة الألمانية عن العلاقات عبر ضفتي الأطلسي بيتر باير لفرانس برس مؤخراً إن «حرباً باردة» جديدة بين واشنطن وبكين انطلقت بالفعل وعلى أوروبا الوقوف «جنباً إلى جنب» مع الولايات المتحدة لمواجهة النفوذ الصيني المتنامي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"