أنت مع ترامب أم مع بايدن؟

00:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. نسيم الخوري

خلعت الانتخابات الرئاسية الأمريكية حللها الدولية وبانت في بلادنا وكأنها محلية، نعم، تجاوز الاهتمام العربي والإسلامي الرسمي والشعبي كل الحدود والانقسامات جواباً على مع من نقف: دونالد ترامب أم جو بايدن.

 يعود السبب المباشر إلى أثر الإعلام الشائع في تحريك الرأي العام وتشظياته من السياسات الأمريكية في العالم إبان ولاية ترامب الأولى المثيرة. وقد يعود إلى سلوك الدولة العظمى في تعاملها مع المنطقة في ظل تداعيات الهزات القاسية المستمرة عصفاً منذ سقوط بغداد في ال2003، وصولاً إلى مستقبل القدس وفلسطين ومقدمات الأخبار وأسرار الصحف. وقد يعود للاستعراضية المتدفقة اللاصقة بشخصية الرئيس ترامب قبل ولايته الأولى وخلالها وتضج به حملاته الانتخابية الثانية والتي يمكننني اختصارها من كتابه المعنون «ترامب بلا قناع»: «الإنسان هو أكثر الحيوانات ميلاً إلى الشر، والحياة سلسلة من المعارك تنتهي بالنصر أو بالهزيمة فلا تسمح للناس باستغلالك لتؤمّن النصر الدائم». (ص. 142-143). 

كان ترامب مباشراً وفصيحاً في مدى انكفاء الولايات المتحدة وانخراطها في التحولات الهائلة المتسارعة التي تشهدها أنظمة الحكم في العالم ولو تحت عنوان «أمريكا أولاً»، ولو أرجع هذا العنوان العالم إلى الانقسام التاريخي الحاد والخطِر الذي جعل مستقبل العلاقات الدولية محفوفاً بالتوقعات المتناقضة والأسئلة الصعبة التي تنتظر إجاباتها النهائية عبر الولاية الثانية المحتمة له.

 لو عقدنا مقارنة سريعة بين جو بايدن ودونالد ترامب لوقعنا على شخصيتين متباعدتي الأمزجة والرؤى والانتماءات والحظوظ والمسافات نافرة بين الرجلين:

1- ترامب شخصية حارة وحادة وشعبية فاقعة. ترامب اسم لا تضبطه الأطر الحزبية الجمهورية أو غيرها. تتقدمه صورته اللافتة ببذلاته الداكنة وربطات عنقه الحمراء النارية والصفراء وإبهاميه المرفوعين إلى فوق وهو المحاط قبل وأثناء وبعد رئاسته لأمريكا بملكات الجمال والمظاهر الاستعراضية وبائع الأحلام في عالم الصفقات والتجارة العالمية. همه مسكون بالسلطة الرابعة بإذكاء نيرانها وإثارتها بصفتها الكهرباء الاجتماعية التي يداريها الجميع، لكنه دؤوب على إخضاعها المستحيل بدلاً من إخمادها وهو ما ينم، في تقديري، عن ذكاء خارق في فهم قوة الإعلام المعاصرة كسلطة أولى مفيدة عند تسخيرها لمصلحته إيجاباً أو سلباً لا فرق.

 ليس القراء، ربما، على علم بأن ماري آن ماكيلود،والدة دونالد ترامب، إسكتلندية الأصل من قرية متواضعة في جزيرة اسمها «تونغ»، كانت تعمل في تربية المواشي والصيد في الخلجان وجمع الفحم وأعشاب البحر سماداً وتنظيف أحشاء الأسماك الضخمة لمصلحة الشركات التجارية المستثمرة في الجزيرة، وعندما اتخذت قرارها بالرحيل، وهي في الثامنة عشرة، سجلت مهنتها «مساعدة منزلية» قبل أن يسمح لها بالصعود إلى السفينة التي ستقلها إلى أمريكا لتتزوج هناك من فريد ترامب حفيد حلاق ألماني، ويرزقان في الرابع من يونيو/حزيران 1946، بابنهما الرابع دونالد الذي يقوده الحظ فينقش اسم عائلته عميقاً في سجل التاريخ وما ملكه من الثروات والعقارات الناطحات والطائرات والملكات والرئاسات بعدما تذوب أو تمحى قصص أجداده من الذكريات في ألمانيا أو في إسكتلندا.

 2- المرشح جو بايدن محام ولد قبل سنوات أربع من ترامب (20 نوفمبر 1942) شخصية ديمقراطية طموحة رزينة، لكن الفواجع كانت من نصيبه البائس عبر مسرى حياته، كيف؟

 بعد وقت قصير من انتخابه في ال1972 عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي جاذباً إعجاب الأمريكيين بكونه السيناتور المنتخب الأصغر عمراً في تاريخ أمريكا، عاجله القدر بوفاة زوجته وابنته في حادث سير مروع، وأصيب ولده الأكبر «بو» وعمره سنتان مع شقيقه الأصغر، ما جعل بايدن ينسحب لحياته العائلية، واستمر الناخبون يختارونه عضواً في مجلس الشيوخ لست مرات متتالية. ومع أنه تزوج للمرة الثانية في ال1975، وترشح للانتخابات الرئاسية في ال1988 و2008 ولم يحالفه الحظ فقد شغل منصب نائب الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما، لكنه كان زاهداً بقي يتطلع إلى تأمين مستقبل ولده «بو» الذي عمل مثله في المحاماة وشغل منصب المدعي العام، لكن القدر خطفه بفاجعة إصابته بسرطان الدماغ وكان يتجهز لخوض انتخابات مجلس الشيوخ عن ولاية والده (31/5/2015).

 ومهما جاءت النتيجة، فإن ما تفرقه الحظوظ والأقدار والصفات بين المرشحين تردم نتوءاته إسرائيل فيستمر المجرى السياسي واحداً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم الإنسانية، ودكتوراه في الإعلام السياسي ( جامعة السوربون) .. أستاذ العلوم السياسية والإعلامية في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية ومدير سابق لكلية الإعلام فيها.. له 27 مؤلفاً وعشرات الدراسات والمحاضرات..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"