ترامب.. منقذ أردوغان!

00:10 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد نورالدين

شكلت تركيا على امتداد الحرب الباردة قاعدة أمامية متقدمة لحلف شمال الأطلسي في مواجهة الشيوعة والاتحاد السوفيتي. وقد أدت دورها كمنصة للتجسس وكخزان للجنود في مهمات قتالية في أكثر من مكان. كانت تركيا من المنظور الغربي الأمريكي حليفاً عسكرياً ليس إلا.

 ومع تفكك الاتحاد السوفيتي لم يتراجع الدور التركي، فكان التحالف التركي مع أذربيجان وجورجيا وفي الخلف واشنطن لمحاصرة روسيا الجديدة بخطوط طاقة تهدف إلى إضعاف التأثير الروسي في هذا المجال.

 ومع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002 استمر التحالف التركي مع الغرب، ورغم أنه شهد بعض الشرخ مع غزو الأمريكيين للعراق، فإن التعاون التركي الأمريكي استمر قوياً مع انفجار ما سمّي ب«الربيع العربي». وكان انسجاماً في أكثر من ساحة مثل مصر وسوريا وتونس وغيرها، حيث شكلت تركيا راعية ل «الإخوان المسلمين» في هذه الدول.

 لكن شهر العسل التركي - الأمريكي انتهى مع محاولات الولايات المتحدة تقسيم سوريا وإعطاء الأكراد المنطقة السورية على امتداد الحدود مع تركيا، وهو ما نظرت إليه تركيا على أنه تهديد للأمن القومي التركي بإنشاء دويلة كردية في سوريا على علاقة وثيقة بحزب العمال الكردستاني ما قد يؤثر في الداخل التركي في اتجاه العمل على استقلال المناطق الكردية في تركيا.

 واندفعت واشنطن في عهد باراك أوباما لكي تزيل هذه العقبة من أمامها في سوريا من خلال تدبير محاولة انقلاب فشلت في 15 يوليو/تموز 2016، واتهم أردوغان أوباما بها مع دول غربية أخرى مثل ألمانيا وفرنسا.

 انكسرت العلاقات التركية الأمريكية، وكان لسان حال أنقرة الدعاء لفوز دونالد ترامب في مواجهة هيلاري كلينتون وزيرة خارجية أوباما. وحصل ذلك في خريف 2016. فتحت مرحلة ترامب صفحة جديدة في العلاقات التركية الأمريكية لكنها كانت تشهد توترات متفرقة.

 كان الموقف الأمريكي من تعاون تركيا مع روسيا حاداً، واعتبرت واشنطن أن تركيا تجاوزت الخطوط الحمر من خلال ثلاثة مشاريع مع روسيا: شراء صواريخ «إس 400»، بناء مفاعل نووي سلمي في مرسين، ومد خط «السيل التركي» لأنابيب للغاز من روسيا إلى تركيا ومنها إلى أوروبا.

 اعتبرت واشنطن المشاريع الثلاثة خرقاً روسياً لبلد ينتمي إلى المنظومة الأطلسية. وقد حاولت واشنطن جهدها على الأقل لثني تركيا عن استقدام منظومة «إس 400» من دون نتيجة. وكان أن فرض ترامب عقوبات اقتصادية وعسكرية على تركيا أدت إلى ضغوط على الليرة التركية. وكانت نقطة التحول رضوخ تركيا وإطلاق سراح الراهب الأمريكي أندرو برونسون في خريف 2018. وكان ترامب المعروف بحركاته الاستعراضية وتضخيمه للأمور في غاية السعادة لهذا «الإنجاز». ومنذ ذلك الحين نشأت بين أردوغان وترامب علاقات شخصية جيدة تجاوزت موقف المؤسسات الأمريكية الأخرى مثل «البنتاجون» والخارجية ومجلسي «الكونجرس».

 وعرف التقارب الشخصي بين الرجلين اتفاقاً مهماً لقيام تركيا بعملية «نبع السلام» في شمال سوريا اعتبرت في مكان ما تنازلاً أمريكياً، لكن اتضح أن تركيا وافقت في المقابل على عدم التقدم للمس بالمنطقة الكردية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة في شرق الفرات والتي تشهد سرقة النفط السوري.

 كذلك، فإن ترامب أوقف مشروع الاعتراف بالإبادة الأرمنية الذي مرّ في مجلسي النواب والشيوخ بأكثرية ساحقة.

 ولذلك يمكن القول إن تركيا صححت العلاقات مع الولايات المتحدة بشخص الرئيس ترامب، ولكنها لم تتجنب التوترات المتعددة وأهمها منع تسليم تركيا طائرات «إف 35»المتطورة. أي بمعنى أن العلاقات بين ترامب وأردوغان جيدة، لكن العلاقات التركية – الأمريكية سيئة.

 واليوم يضع أردوغان كل أدعيته وصلواته ليفوز ترامب من جديد بولاية ثانية، لأن البديل هو جو بايدن الذي كان نائباً لباراك أوباما أثناء المحاولة الانقلابية ضد أردوغان والذي بدأ أولى حملاته على أردوغان قبل شهرين عندما وصفه بالمستبد، وبأنه سوف يدعم المعارضة ديمقراطياً لإسقاط أردوغان. كذلك دعا بايدن قبل عشرين يوماً لممارسة الضغوط على تركيا التي تهدد اليونان في شرق المتوسط.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"