هذا دور العلوم الإنسانية

22:45 مساء
قراءة دقيقتين


شيماء المرزوقي

مع الاهتمام الكثيف بهذه الجائحة من جوانبها الصحي والطبي والدوائي والعلاجي والوقائي، هناك نتائج اجتماعية ونفسية ضربت بقوة مختلف أرجاء العالم، وأحدثت شرخاً في العلاقات بين الناس، وسببت تنافراً وتباعداً قل نظيره في الحياة المعاصرة. وبطبيعة الحال، كون جزء من الوقاية من هذا الفيروس يتطلب تجنب الزيارات الاجتماعية والمصافحة، فإن هذا يعني تغيير إيقاع الحياة الطبيعية التي تعودناها، وهو تغيير في عمق العلاقات الاجتماعية وأكثر الأمور خصوصية لدى الإنسان، وهي تلك التي تمس حريته الشخصية في التنقل والسفر والزيارات والعلاقات.
اليوم، بعد مضي عدة أشهر، وكما يقال، انتهت أو مضت الأيام الأكثر تعقيداً وقسوة وحيرة وعدم معرفة، خاصة في بداية الجائحة حيث كانت المعلومات ضئيلة متضاربة وغير دقيقة، والتعامل مع هذا الفيروس لم يحدد له إطار أو منهج علمي دقيق وواضح، لكن اليوم وبعد تعدد الإثباتات والكثير من الدراسات بدأت تتضح معالم الفيروس وكيفية تجنبه والتعامل معه.
في الجانب الآخر كأن الناس تعودوا على الإيقاع الحياتي الجديد الذي فرضه الفيروس، لكن وكما يحدث في كل شأن عالمي وتبعاً لكل مشكلة ومعضلة دولية تقع وتمس جميع البشر، فإن التحليلات تظهر والتنبؤات تتزايد ومعها تنمو الشائعات والاكاذيب، خاصة في العالم الرقمي الافتراضي الذي نعيشه والمحمل بأدوات التواصل والمواقع التي تسمح وتتيح للجميع التحدث والتعبير عن وجهات نظرهم، فكانت مواقع خصبة بنظريات المؤامرة ونسج حبال من المؤامرات، وهذا موضوع قد أخصص له مقالاً مستقلاً.
أعود لنقطة البداية للتأكيد أن الشأن المجتمعي والحراك البشري وردات فعل الناس تجاه الإجراءات التي مست حياتهم وغيرت طريقة عيشهم، وكل المخاوف والقلق والتوتر الذي أحدثه هذا الفيروس، فضلاً عن الوفيات التي نتجت عنه، هي مجالات خصبة للدارسين في مجال العلوم الإنسانية بصفة عامة والعلوم النفسية والاجتماعية تحديداً، وفي هذا المضمار كم أتمنى أن تبادر مؤسسات التعليم العالي التي لديها مراكز وهيئات بحثية، إلى الشروع في دراسة هذا المجال والنزول إلى الناس وسؤالهم واستقصاء آرائهم وردّات فعلهم وتدوين مخاوفهم وهمومهم لتنعكس في دراسة بحثية شاملة تخرج بنتائج تسلط الضوء على مكامن الخلل وأين نجحنا لتعزيز مواقعه، وأين حدث خلل لنتلافاه ونتجنبه. وأعتقد أن هذا دور هام ننتظره من علمائنا في مجال العلوم الإنسانية، وهي مهمة شديدة الحيوية ونتائجها ستكون مفيدة لصانع القرار ولمختلف أفراد المجتمع.

[email protected]
www.shaimaalmarzooqi.com

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناشرة إماراتية ومؤلفة لقصص الأطفال وروائية. حصلت على بكالوريوس تربية في الطفولة المبكرة ومرحلة ما قبل المدرسة والمرحلة الابتدائية، في عام 2011 من جامعة زايد بدبي. قدمت لمكتبة الطفل أكثر من 37 قصة، ومتخصصة في أدب اليافعين

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"