«كورونا» يشارك في الانتخابات الأمريكية

00:05 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

لأول مرة في التاريخ الأمريكي لا يكون الناخب وحده من يختار سيد البيت الأبيض الجديد، إذ سيشاركه اتخاذ القرار فيروس “كورونا”، الذي أصبح فاعلاً سياسياً على مستوى العالم، وبشكل خاص في الولايات المتحدة، بعد أن ترك ظلالاً على الاقتصاد، وأنماط حياة الناس. 

 الفيروس فرض نفسه على الانتخابات الأمريكية منذ انطلاق انتخابات الحزب الديمقراطي التمهيدية لاختيار مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية، وبعد أن اختار الديمقراطيون جو بايدن لمنافسة الرئيس ترامب، تمدد دور الفيروس وأصبح هو الذي يقود الناخب ويتحكم في اختياراته، ويكاد يكون هو الذي سيفرض سيد العالم الجديد على الشعب الأمريكي، وشعوب الدنيا التي تحبس أنفاسها انتظاراً ليوم الحسم بعد غدٍ. 

 «كورونا» استطاع أن يهمّش العديد من المشاكل الداخلية والقضايا الدولية المهمة، وأن يستحوذ على المساحة الأكبر من المناظرتين اللتين جمعتا ترامب، وبايدن، وكان له نصيب الأسد في المؤتمرات الدعائية التي عقدها كل منهما في الولايات المختلفة، ولم يغب عن تغريدات ترامب، ولا تصريحات بايدن الصحفية، كما احتل المساحة الأكبر في دعاية المؤيدين لهذا المرشح، أو ذاك، سواء من السياسيين أعضاء الحزبين، أو من الإعلاميين المنحازين أساساً للحزب الديمقراطي، ومرشحه بايدن، إلى الدرجة التي دفعت ترامب إلى أن يصفهم بالطبقة الفاسدة بعد أن نالوا منه، وخاضوا معه معركة تصفية حسابات لمصلحة خصمه، بعد أن عجز الرئيس لأمريكي الحالي عن كسب الإعلام في صفه. 

 في المناظرتين، والمؤتمرات، والمقالات الصحفية، والبرامج التلفزيونية، واليوتيوبية، كان ترامب في وضع لا يحسد عليه، كأنه داخل قفص اتهام باعتباره مسؤولاً عن العجز الأمريكي في مواجهة الفيروس، واهتزاز صورة الولايات المتحدة كدولة رائدة في مجال الطب والرعاية الصحية، بعد أن احتلت المركز الأول بين دول العالم في أعداد الإصابات، والوفيات، كأنها من دول العالم الثالث في خيبة الأمل والفشل اللامسبوق في مواجهة فيروس ضئيل. 

 في المقابل، استغل جو بايدن، وحزبه، ومؤيدوه الجائحة، ونصّب نفسه وكيلاً عن الشعب الأمريكي في توجيه الاتهامات لترامب، محاولاً تصويره على أنه العاجز وغير المؤمن بالعلم، الأمر الذي لم يستطع الشعب الأمريكي أن يكذبه في ظل وجود حقائق استند إليها الحالم بالمكتب البيضاوي، والذي قدم نفسه للناس على أنه الفارس العجوز القادم على حصان أبيض لإنقاذ الشعب الأمريكي من براثن الفيروس الشرس، والفوضوية السياسية، ولإنقاذ سمعة الدولة الأقوى في العالم من مخاطر الانهيار الصحي الذي يهددها مع مخاطر أخرى تحيق بها. 

الفيروس لم ينل من حظوظ ترامب بسبب ملايين المصابين، ومئات آلاف الوفيات فقط، ولكن بسبب الظلال القاتمة التي ألقى بها على الاقتصاد الأمريكي، فبعد أن شهد العالم لقدرات ترامب في تخفيض البطالة، وتحسين مستوى الأجور، جاء «كورونا» ليفعل فعلته ويتسبب بتسريح ملايين الأمريكيين من وظائفهم، ويوصل نسبة البطالة إلى ٢٠٪؜، فضلاً عن الركود، وتراجع نسبة النمو.

«كورونا» هو أكبر مخادع للرئيس الأمريكي الحالي، إذ في البداية استهان به، وقلل من مخاطره، واعتبره لا يعدو كونه إنفلونزا عابرة، وبعد أن بدأ يغزو العالم حاول ترامب استغلاله سياسياً في إطار حرب التصريحات، والحرب التجارية ضد الصين، وحتى آخر مؤتمر انتخابي له كان يطلق عليه «الفيروس الصيني»، وبعد أن فشلت إدارته في السيطرة عليه عاقب منظمة الصحة العالمية، واتهمها بالانحياز للصين، وأوقف تمويلها، ولكن السحر انقلب على الساحر، وبدلاً من أن يوظف ترامب الفيروس سياسياً أصبح هو المهدد الأكبر لمستقبله السياسي. 

 وبصرف النظر عن مدى صحة، أو خطأ ترامب، في معالجته لأزمة «كورونا»، إلا أن لعنة هذا الفيروس أصابته، ولولاه لكان ترامب ضامناً الفوز. ورغم ذلك لا يستبعد أن يخرج ترامب من السباق منتصراً على «كورونا»، وعلى الديمقراطيين، وعلى الإعلام، ومؤسسات قياس الرأي العام، إلا أن هذا لن ينفي أن الفيروس أطار النوم من عيني ترامب على مدار أشهر، وسيظل يذكر التاريخ أن «كورونا» قلب كل المعادلات، وغيّر المفاهيم، وتجاوز كل ما كان مألوفاً في أي انتخابات أمريكية، وفي نظريات السياسة العالمية، ولم يقتصر دوره على تغيير اتجاهات الناخب وميوله فقط، بل أيضاً غيّر في طريقة الاقتراع، وأدخل التصويت بالبريد لأول مرة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"