عن الكلية الانتخابية

00:04 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجي صادق شراب

بقي يومان على أهم وأخطر انتخابات قد تشهدها الولايات المتحدة، والتي قد تترتب عليها تداعيات داخلية وكونية؛ لذلك كل العيون تترقب بحذر وقلق، هناك من يريد ترامب؛ لأنه الأقدر على اتخاذ القرار؛ واستكمال ما بدأه في ولايته الأولى، وهناك آخرون يتطلعون للمرشح بايدن الذي قد يوقف الانكسارات والتراجعات في الدور الأمريكي عالمياً.

 النظام الانتخابي الأمريكي يختلف عن باقي النظم الانتخابية؛ حيث الصوت الشعبي هو الذي يحسم مصير المرشحين والفائزين. في الولايات المتحدة ما يعرف بالكلية الانتخابية؛ هو الذي يحسم في النهاية من سيفوز، وهذا موضوع مقالتنا. 

 واليوم تجرى هذه الانتخابات غير المسبوقة في ظل بيئة سياسية متغيرة، فهناك الانتشار الكبير وغير المتوقع للكورونا بإصابات تزيد على سبعة ملايين، ووفيات تجاوزت ال200 ألف، واحتجاجات إجتماعية، إلى جانب شروخ في البناء الاجتماعي، وبروز تيارات متصارعة ما بين الشعبوية البيضاء والمهاجرين من أصول إفريقيه وإسلامية، وبطالة تبلغ المليونين وأكثر. ومن المتعارف عليه أن العوامل الداخلية هي التي تحسم نتيجة الانتخابات أكثر من القضايا الخارجية، هذه الانتخابات تتم على مستوى الرئاسة وثلث أعضاء الشيوخ وكل النواب؛ لذلك نتيجتها تحدد مسار القرار السياسي الأمريكي لأربع سنوات قادمة.

 تتوقف النتيجة على فرضية مدى قناعة المواطن الأمريكي بقدرة الرئيس ترامب على حل كل المشاكل الاقتصادية، وعوده التحسن الاقتصادي، واحتواء المشاكل الاجتماعية، أو قدرة المرشح الديمقراطى بايدن، والثقة فيما يعد به. هذا وما تزال معدلات الرئيس ترامب عند ال45 في المئة بزيادة أربع نقاط؛ لكن هذه الانتخابات كما سابقاتها لا يمكن التعويل على استطلاعات الرأي فيها؛ لعدم حسم الصوت الشعبي لها. والمرشح يفوز بالرئاسه بحصوله على 270 صوتاً من 538 مجموع أصوات الكلية الانتخابية. وتحسب على أن هناك اثنين لكل ولاية؛ وهما أعضاء الشيوخ ضماناً لمبدأ المساواة، إلى جانب عدد من الأصوات حسب السكان في مجلس النواب على أساس 650 ألفاً لكل صوت. 

 والمرشح، وهنا أهمية الحسم في الكلية الانتخابية، يفوز بأصوات الولاية؛ عندما يحصل على النصف زائد واحداً، وهو ما يجعل للولايات الكبيرة الحسم في تحديد من سيفوز، وهذا قد يفسر لنا مثلاً أهمية الصوت اليهودي؛ حيث كثافته في بعض الولايات الكبرى مثل نيويورك وكاليفورنيا، وأهمية الصوت العربي والمسلم في هذه الانتخابات فى ولايات ميتشيجان وبنسلفانيا، وهذا ما دفع بايدن لمغازلة المسلمين، وتقديم وعد لهم بإشراكهم في المناصب الحكومية، ورفع كل الإجراءات المقيدة التي فرضها الرئيس ترامب ضدهم.

 هذا هو هدف كل حملة انتخابية، وكل جهد يبذل في الولايات الكبيرة. وهو ما يجعل المرشحين للرئاسة وحملاتهما الانتخابية تتجاهل الولايات الصغيرة. ويلعب الانتماء الحزبي دوراً مهماً، وخصوصاً في الولايات التي تعرف بالمتأرجحة؛ لأنها تتأرجح بين الحزبين، وأي أصوات تذهب لأي منهما قد تحسم نتيجة الفوز ولو كان الفارق مئة صوت. 

وجرى العرف السياسي على تقسيم الولايات الأمريكية إلى ثلاثة ألوان؛ الحمراء والزرقاء والبرتقالية؛ إذ إن الجمهوريين باللون الأحمر، والديمقراطيين باللون الأزرق والولايات المتأرجحة باللون البرتقالي.. وبعض الولايات تتسم بانقسام الأصوت مثل: نبراسكا ولها خمسة مقاعد، وولاية مين ولها أربعة مقاعد. وتلعب الولايات المتأرجحة دوراً حاسماً بمجموع 146 مقعداً. 

وكما جاءت الاستطلاعات الأخيرة من السهولة أن يحصل بايدن على 279 صوتاً، وترامب على 215. وللتذكير بأهمية الولايات المتأرجحة فقد فاز ترامب في انتخابات 2016 بأصوات ولاية مين الأربعة. وليس مستبعداً أن يتكرر هذا النموذج ثانية. ناهيك أن بعض الولايات تقع في هامش الخطأ الذي تجريه استطلاعات الرأي كولايتي نيفادا ونيوهامبيشير. 

ولعل من أبرز التحديات التي تواجه الرئيس ترامب هي ولاية أريزونا المشهورة، بتصويتها للجمهوريين منذ عام 1972 باستثناء عام 1996، ويبقى أن نشير إلى أهمية صوت الناخبين العرب والمسلمين في الولايات المتأرجحة، وأن صوتهم على قلته يمكن أن يحسم نصيب بعض الولايات لأحد المرشحين، خصوصاً إذا عرفنا أن نصيب كل ولاية يحسب على أساس النصف زائد واحد، فلو فاز المرشح بأصوات قليلة في الولاية؛ فإنه يفوز بها، وهذا ما حدث في انتخابات 2016 وخسارة هيلارى كلينتون بفارق بسيط جداً على الرغم من تفوقها في الصوت الشعبي، هذه الانتخابات تتميز أيضاً بالصوت البريدي، وفي هذه الانتخابات هناك إقبال قياسي مما يعني احتمال زيادة نسبة التشكيك، أو التأخير في إعلان النتائج، أو الاحتمال الثالث وهو إعطاء سلطة للولايات؛ لتحديد من يمثلها. وتبقى هذه الانتخابات عصية على التنبؤ بنتائجها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"