سجلاتنا العسكرية

22:54 مساء
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

تكتسب عمليات توثيق الأحداث التاريخية بتفاصيلها الزمنية وشخوصها أهمية بالغة في استخلاص الدروس، وتقييم الشخصيات والقرارات المتخذة، وطرق ووسائل اتخاذ القرار ومعرفة الصواب والخطأ في مسار الأحداث للاعتبار بها والمضي قدماً إلى الأمام. 

فالتوثيق يمثل نوراً هادياً لتجنب أخطاء الماضي والبناء على الجوانب الإيجابية، كما يحفز على تمثل القيادات الناجحة والاقتداء بها من قبل القادة الجدد، علاوة على أنه يوفر المواد الأساسية للنقاد والباحثين وطلاب العلم.

وتتساوى أهمية وضرورات التوثيق الأمين للأحداث التاريخية في أوقات السلم والحرب، لكن خصوصية الأحداث العسكرية تمنحها امتيازاً إضافياً. وفي هذه الحالة، فإن الوثائق والتصريحات المتعلقة بأسباب ومبررات نشوب الحروب، وردود فعل الأطراف المتورطة في الصراع، والأخرى المتحالفة معها أو الساعية للوساطة، تعتبر ركيزة أساسية لرصد مسار الحرب وتقلباتها ونتائجها.

وتقدم الوثائق المتوفرة عن الحربين الكونيتين الأولى والثانية، صورة نموذجية لعمليات التوثيق الشاملة لهذين الحدثين الكبيرين اللذين أحدثا تغييرات هائلة في التاريخ البشري.

والمعلومات المتوفرة التي يسهل الحصول عليها حول أحداث الفترتين أمر لا مثيل له، ابتداء من الأجواء والمناخات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي سبقت إعلان الحرب، ونقاشات الزعماء والقادة العسكريين والتحضيرات المبكرة للمعارك، بما في ذلك حجم القوات ونوعيات الأسلحة المستخدمة، والخطط العسكرية الدفاعية والهجومية، وعمليات الإعاقة والإبطاء ومستوى التقدم على كل جبهة على حدة، وحجم الانتصارات والخسائر ونوعية القادة الميدانيين ووحداتهم وكتائبهم ونوعيات الجنود.

وفي الواقع، فإن حجم المعلومات والدراسات المستندة على هذه المعلومات في ما يتعلق بالحربين العالميتين، هو أمر مذهل. وقد سمحت الحكومات والجيوش بنشر هذه المعلومات، وسمحت للباحثين بحرية الوصول إلى الوثائق التي ترصد مسارات الحرب ساعة بساعة ويوماً بيوم. كما أسهم بعض الجنرالات الذين قادوا المعارك في بعض الجبهات في إلقاء مزيد من الأضواء على الجوانب المختلفة للحرب، من خلال تأليف الكتب والدراسات، أو عبر إلقاء المحاضرات في الجامعات والمراكز البحثية أو الإجابة عن أسئلة الصحفيين في المقابلات الصحفية.

لقد توفرت كنوز من المعلومات عن الحربين العالميتين من مصادرها الأصلية على جانبي الصراع في عملية توثيق نموذجية. الجيش المصري النموذج الإقليمي الأبرز لعملية توثيق غير مسبوقة في دول الإقليم، والعالم الثالث بشكل عام.

تميزت البيانات العسكرية والتغطيات الصحفية المصاحبة لحرب العبور في أكتوبر 1973، بقدر كبير من الصدقية والواقعية. وأتاحت القيادتان العسكرية والسياسية المصرية بعد نهاية الحرب، الوصول إلى وثائق من الدرجة الأولى، حول مشاورات القادة العسكريين ومخططات المعارك، وبيانات الميدان، مع قيادة العمليات والصعوبات على أرض المعركة، وحول حجم القوات المشاركة ونوعيات الأسلحة والذخائر، وقادة التشكيلات العسكرية، وذلك بشفافية كاملة أثبتت مصداقيتها مع مضاهاتها للبيانات والمعلومات الصادرة عن الجانب الإسرائيلي.

تجاوزت التغطيات المباشرة وكتابات المؤرخين والجنرالات اللاحقة، مرحلة العمل الدعائي عديم القيمة، وأصبحت توثيقاً بالغ الأهمية، وتسجيلاً فريداً لتلك المرحلة الفاصلة من التاريخ.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"