«الكتاب» يتحدى الوباءين

23:44 مساء
قراءة دقيقتين


نور المحمود

خطوط الاتصال والتواصل مفتوحة، تعبر الكرة الأرضية من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها بلا انقطاع، ورغم ذلك تشعر بأن «خطوط الوصال والود» متقطعة بخناجر التطرف ورفض الحوار ونبذ الآخر.
العالم يتواصل، والعالم يتنافر، هي الصورة التي يحاول البعض أن يجعلها أمراً واقعاً ويومياً، فيسود الفكر المتطرف وتشتعل الصراعات بين الشعوب، وتتفتت الديانات ولا يبقى قوياً على الأرض سوى الفكر المريض الجامح بقوة نحو نشر سياسة القطيع خلف الفكر الواحد واللون الواحد.
في هذا الوقت الذي يسعى فيه المتطرفون من مختلف الجهات إلى نشر صراعاتهم وتعميمها على البشر، يتصدر مشهد آخر حاملاً دعوة مفعمة بروح التحدي وبالانفتاح وإنارة العقل وخلق مجالات للحوار وتوسيع المدارك؛ مشهد عنوانه «العالم يقرأ من الشارقة» حيث انطلقت أمس الدورة ٣٩ من معرض الشارقة الدولي للكتاب، متحدية الظروف الصحية التي فرضها «كوفيد ١٩»، متسلحة بكافة الإجراءات اللازمة، ومشرعة أبوابها لتهب رياح الثقافة والمعرفة بكل لغات وثقافات العالم.
الدورة استثنائية في مضمونها، وهذا أمر طبيعي بسبب ما يعيشه العالم اليوم من صراع مع الوباء ومحاولات حثيثة لاستمرار الحياة وتقليل أعداد الإصابات والوفيات.. لكنها تستمد استثنائيتها أكثر من كونها تأتي في ظل انتشار وباء آخر، ربما لا يقل خطورة عن كورونا، وهو وباء التطرف الذي يحاول بين الحين والآخر إيقاع الناس في فخاخه، ولا ينجح إلا حين يجد من يستجيب له ويساهم في إشعال نيران الفتنة في أماكن غير متوقعة، ليصطاد أكبر عدد من الأبرياء، ويشل الحركة، ويستفز النفوس فيتحرك الناس بشكل عفوي نحو رفع شعارات التطرف ونبذ الآخر دون تمهل أو تفكير أو صبر.
نحتاج الى أن نقرأ الكثير من الكتب، ونحتاج للمزيد من التظاهرات الثقافية لأنها السلاح الأقوى في وجه التطرف والإرهاب. نحتاج إلى صوت الحكمة والعقل، وهذا الصوت لا يخرج إلا من أفواه تعلمت وقرأت فكر الآخر وتشبعت من بساتين المعرفة المتنوعة واستوعبت ونضجت وصارت قادرة على التعاون مع شركائها على وجه الأرض، لأنها تعرفهم وتفهم طريقة تفكيرهم وأبعاد ثقافاتهم ودياناتهم.
نحتاج اليوم إلى القراءة كي نفتح نوافذنا على العالم الخارجي، ونراه كما هو لا كما نريده أن يكون، أو كما نسعى إلى تفصيله على مقاس أصحاب العقول المنغلقة المتشددة الرافضة للتطور ولتقبل تنوع الحياة والبشر والديانات واللغات والثقافات.
القراءة هي العلاج، وهي السلاح وهي اللقاح الذي نحتاجه بشدة كي نوقف انتشار وباء التطرف والجهل والعنصرية بكل وسائلها وأشكالها.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"