عادي

«خط دم».. تجربة رعـب غيـر مكتملــة

00:00 صباحا
قراءة 4 دقائق
خط دم
خط دم

مارلين سلوم

كان يكفي أن تعلن مجموعة «إم بي سي» عن إطلاق أول فيلم عربي عن مصاصي الدماء في يوم «الهالوين» الذي تحتفل به أمريكا والعالم في 31 أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام، حتى تجد نسبة كبيرة من الجمهور العربي ينتظر «الفيلم الحدث»، خصوصاً أن فئة محبي أفلام الرعب ليست قليلة، وكلهم يبحثون عن هذه النوعية من الأعمال السينمائية كي يعيشوا الأجواء في هذه المناسبة، فكيف وقد تجسدت لأول مرة باللغة العربية، ووصلتهم عبر خدمة المشاهدة المنزلية على منصة «شاهد»؟ سيذكر التاريخ طبعاً أن «خط دم» هو أول فيلم عربي عن مصاصي الدماء، لكن هل جاءت التجربة مكتملة، ووافية، ومناسبة لإنتاج سينمائي متقدم في عام 2020؟ ولماذا اعتبرها قطاع كبير من الجمهور «مضحكة»، خالية من الرعب؟

حين نقول إنها التجربة العربية الأولى عن مصاصي الدماء، فهذا لا يعني أنها الأولى أيضاً في إنتاج فيلم رعب، فقد سبق للسينما العربية أن عرفت محاولات عدة، تراوحت بين المتوسطة، والضعيفة، كان آخرها في أغسطس/ آب الماضي، وعلى المنصة نفسها «شاهد»، مع فيلم «الحارث» إخراج نادر جلال تأليف محمد عبد الخالق، بطولة أحمد الفيشاوي وياسمين رئيس.

غيبوبة طويلة

ندخل مباشرة إلى القصة، وهي من تأليف مخرج العمل رامي ياسين، حيث نسمع في المشهد الأول نيللي كريم، وهي تردد «18 شهراً، 3 أسابيع، ويومين»، ونراها وهي تحوك «أوبيسون» وجهي ملاكين، وبينهما قلب أحمر. اسمها لمياء، وزوجها نادر (ظافر عابدين)، الذي يصل من السفر فتستقبله بفرح. ابنهما مالك تعرض لحادث أدخله في غيبوبة طويلة، امتدت 18 شهراً، وثلاثة أسابيع، ويومين، بينما شقيقه التوأم آدم يكمل حياته، ويذهب إلى المدرسة. نفهم لاحقاً أن نادر سافر إلى رومانيا ليجلب «الدم» لابنه مقابل 100 ألف دولار. ونفاجأ بأن لمياء هي التي اقترحت فكرة إعطاء ابنها دماً، ليصبح من مصاصي الدماء، وليتحقق ذلك، يجب أن يموت أولاً، ثم يعود بدم مختلف، وطاقة أكبر، وسرعة خارقة، ولكنه لن يكبر أبداً، تماماً كما تقول أسطورة مصاصي الدماء إنهم لا يكبرون، ولا يموتون، إلا إذا رأوا الشمس، فهي تحرقهم.

توقعنا أن تكون للمياء أي علاقة بمصاصي الدماء، أو أنها آتية من عالم السحرة، والشعوذة، أو المخلوقات العجيبة، كي تفكر بهذه الطريقة لإنقاذ ابنها. لكنها إنسانة عادية، بينما زوجها نادر هو الذي تحول إلى مصاص دماء من أجل منح دمه لابنه، ومساعدته. حجة غير منطقية، ولا مبررة، لكننا نتقبلها طالما أننا داخل عالم خرافي. لن نذكر كل تفاصيل الفيلم كي لا نحرقه لمن يرغب في مشاهدته، لكن طوال مدة المشاهدة، أي نحو 92 دقيقة، يتملكنا إحساس بأن هناك شيئاً ما، ناقص، ننتظر اللحظة التي نموت فيها رعباً، أو نصرخ، أو نقفز من مقاعدنا، أو نرتعش، أو على الأقل نخاف، لكن الفيلم يكمل على وتيرة واحدة، لا صعود لا هبوط، برودة في ثنايا القصة، والحركة، حتى مشهد بروز أنياب «مصاص الدماء» لدى نادر (ظافر عابدين) تحول إلى مادة كوميدية على مواقع التواصل، لأنها غير مخيفة، ولا علاقة لها بالرعب، بما في ذلك مشهد التهامه اللحم، أو تقديمه الدماء لابنه ليروي عطشه. هو ليس ذنب ظافر عابدين بقدر ما هو ذنب المخرج الذي لم يُجِد استخدام المؤثرات، والإضاءة، والكاميرات، والماكياج.. بل جاء الماكياج ضعيفاً جداً، كأننا أمام فيلم درامي عادي، في حين يجب أن يكون بطلاً في مثل هذه الأفلام. والإضاءة لم نر منها سوى اللعب على الأسود، والأبيض، العتمة والشموع، وشروق الشمس في الخارج.. أما نيللي كريم فقدراتها أكبر من مستوى العمل، ومن الدور الموكل إليها.

حيوية وحركة

في الفيلم يجسد الشقيقان بيتر وجون رامي، دوري مالك، وآدم، ملامحهما مناسبة، لكن الأداء أيضاً فيه شيء من الجمود، وهي مسؤولية المخرج الذي كان أمامه متسع من المجال للتركيز على منح ممثليه الكثير من الحيوية والحركة، والتركيز على ملامحهم، خصوصاً أنه اعتمد على عدد قليل من الممثلين بلا كومبارس، ومجاميع، وشارك ظافر، ونيللي، والطفلين في التمثيل، إيمان يونس بدور جميلة الجارة، وداليا الخولي بدور سلام مساعدة نادر في الشركة.

حمل المخرج رامي ياسين على عاتقه نقل السينما العربية إلى مستوى أفلام مصاصي الدماء، وكان لا بد أن يضع في الاعتبار أن الجمهور سيقارن وبشكل تلقائي، وعفوي، بين التجربة العربية اليتيمة هذه وسلسلة الأفلام الكثيرة التي أنتجتها السينما الغربية ومنذ زمن بعيد عن مصاصي الدماء، الذين صاروا مثل التيمة التي لا بد من وجودها في موسم «الهالوين» في الصالات العالمية، وأدخلوهم أيضاً إلى عالمي الكرتون، والكوميديا ليظهر مصاص الدماء مضحكاً، أو خائفاً، وليس دائماً مخيفاً. الحمل ثقيل، وياسين يخوض هو أيضاً تجربته الأولى في الأفلام الروائية الطويلة، لذا تمنينا لو أنه تسلح بتقنيات إخراجية أقوى ورؤية أعمق لتقديم ما يترك بصمة في السينما، والجمهور، ويفتح باباً جديداً أمام الإبداع العربي للتحليق خارج السرب والانطلاق نحو أفق أوسع، فتولد سينما شبابية بروح المغامرة الجريئة، التي تلعب على الخيال بأساليب مبتكرة مستغلة التقنيات الحديثة التي باتت «تصنع المعجزات» في الفن السابع. لكنه قدم الرعب على استحياء، ولم يُشبع نصه كمؤلف بقصة مثيرة مخيفة في تفاصيلها ومفاجآتها لتشكل طوقاً حول المشاهد يكبله في مقعده خوفاً ورعباً، ويكمل الطوق بعناصر التشويق والإثارة في التصوير، والإضاءة، والمؤثرات الصوتية، والموسيقى.. التي للأسف لم تكن قوية هي الأخرى.

تمنينا أيضاً أن يكون «خط دم» على مستوى كل الأسماء المساهمة في إنتاجه وتقديمه للجمهور العربي، من «إيميج نيشن أبوظبي»، إلى «روتانا»، و«استوديو إم بي سي»، و«فيلم كلينيك»، لكن ما شاهدناه بدا كأنه فيلم عادي بلا أي إبهار، ومؤثرات، وبدت ميزانيته محدودة، وكلفته الإنتاجية لا تسمح للمخرج بالمغامرة إلى حدود رفع سقف العمل إلى مستوى الرعب الحقيقي، والحبكة المنطقية. ورغم اعتماده على اسمين محبوبين عربياً، نيللي كريم، وظافر عابدين، إلا أنه لم يحسن استغلال طاقاتهما، لاسيما كريم التي تعتبر بحد ذاتها «وحش تمثيل»، ونظراتها وملامحها في مثل هذه النوعية من الأفلام، تغني عن ألف سيناريو، وحوار، وحرام ألا يوكل إليها تقديم دور ساحرة مثلاً كالذي قدمته أنجيلينا جولي في فيلم «ماليفيسنت».

مشهد الختام هو الأجمل في الفيلم، ورسالته واضحة، ومباشرة، نتركه للجمهور كي يستمتع به.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"