أكاديمية للثقافة

22:50 مساء
قراءة دقيقتين

د.باسمة يونس

يجيب معرض الشارقة الدولي للكتاب عن أكثر من سؤال سبق أن راود عقول الكتاب والمثقفين واستدرج الدراسات والبحوث والمقالات حوله، وأولها عن أهمية الكتاب وقيمته في زمن يكاد الإنسان يصدق أنه لم يعد بحاجة للحصول على المعرفة منه، وثانيها عن ضرورة إقامة معارض الكتاب في هذا العصر الرقمي الذي طغى فيه الوجود الافتراضي على كل الأشياء وأصبح يفرض علينا ما كنا نرفضه. وثالثها عما قد يجعل معارض الكتب أكثر أهمية من أشياء أخرى أمكن الاستغناء عنها في أصعب الأوقات والظروف كالتي نعيشها اليوم.

ويأتي الرد من الشارقة بأن المعارض تستطيع أن تظل مزدهرة إن كانت قد تأسست تحمل رسالة مضمونها «افتح كتابا تفتح أذهانا»، وإن كان من يقف وراءها، عشاق شغوفون بالكتاب، ويعرفون تماما ما يعنيه الكتاب للقارئ ولماذا يمكنه الاستغناء عن أكثر من شيء في حياته، لكنه لا يستطيع التخلي عن كتابه مهما حدث.

ونسأل الشارقة وماذا بعد؟، فتجيبنا بأن مكانة الكتاب ستظل محفوظة، لأنه لا يمكن وضعه محل مقارنة أو منافسة مع كثير من الأشياء التي أدخلها الانسان الى حياته لكنه قادر على التخلي عنها، فهي وإن ساعدته على قضاء الوقت والترفيه عن نفسه لكنها لم تكن كافية لملء الفراغ الداخلي ولا تشبع الروح التي تتطلع للسمو بتوقعاتها عبر دهشة الأفكار ومتعة صيد فراشاتها، ولأنها أشياء يمكن أن تنقضي وتزول بينما الكتاب هو الصخرة الباقية، والحياة الخالدة، والأفكار التي تتواصل ولا تنقطع حبالها إن أبقينا أنفسنا معلقين بها. وكما وقفت الشارقة في البدء مع الكتاب، لا تزال تسانده وتحافظ على موقعه، لأنها قبلة جماهير القراء والذين لم يتمكن العصر المفترض من حجب نور الكتاب عنهم، ولأن ما سنعجز عن التقاطه من بين ملايين المنشورات المعروضة والمتراكمة على صفحات المواقع في الإنترنيت، سنجده شامخا بكامل هدوئه ورصانته على رفوف المكتبات وسيقتني كل منا نسخته، وستحضنها يداه ويضمها إلى ما سبقها من الكتب.

ولأن معرض الكتاب هو الفرصة الحقيقية للناشرين والكتاب الذين يتطلعون نحوه بصفته بستان المعرفة والمعلم الأول والمدرسة والجامعة والمستقبل الذي نريد أن يكون ولا نرغب بإضاعته من أيدينا، سيبقى المعرض مهماً وستظل عين المثقف والطالب والباحث عن العلوم مفتوحة عليه، وسيظل تاريخ افتتاحه مسجلاً في تقويمه.

ومعرض الشارقة للكتاب لم يكن يوماً مجرد وسيلة لتوفير الكتب، بل تحول خلال مسيرته التي تقترب من محطة الأربعين عاماً إلى أكاديمية تعليمية وثقافية واجتماعية حافلة بعشاقه وتعج بالندوات والعروض واللقاءات مع المؤلفين وصناع الكتب وقرائها. وبذل القائمون عليه جهوداً مذهلة حفظت شبابه وحافظت على كينونته وأهدافه بنشر المعرفة وتنويع المعروضات والبرامج التي تؤدي الى مشاريع لا تنتهي مع إسدال ستارة عام بل تبدأ بالإعداد للعام الذي يليه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"