عادي

الضربة الجوية في إدلب.. رسائل روسية لتركيا

23:23 مساء
قراءة 4 دقائق
السياسي

د. محمد فراج أبو النور*

الضربة الروسية لمعسكر تدريب تنظيم «فيلق الشام» الإرهابي، وثيق الصلة بالمخابرات التركية، شمال غربي إدلب، أسفرت عن سقوط نحو ثمانين قتيلاً وجرح مئة وسبعين، الكثير منهم جراحهم خطرة، ما يعني إمكانية زيادة عدد القتلى.. وبهذا تكون أكبر ضربة وجهتها موسكو إلى منظمة إرهابية منذ بدء الوجود العسكري الروسي في سوريا.

جاءت هذه الضربة محملة بأبعاد ورسائل كثيرة سواء فيما يتصل بالعلاقات الروسية – التركية في مجملها، أو بالدور التركي في الحرب الأرمينية – الأذرية، والدور التركي في نقل آلاف المرتزقة الإرهابيين إلى جنوب القوقاز على مقربة مباشرة من الحدود الروسية – أو فيما يتصل بالوضع في إدلب نفسها، وفي الشمال السوري عموماً.

 ومعروف أن «فيلق الشام» هو أحد أكبر الفصائل الإرهابية في إدلب، ويضم نحو عشرة آلاف مقاتل، وهو أكبر فصائل ما يعرف «بالجبهة الوطنية للتحرير» التي تمثل ثاني أكبر القوى العسكرية في إدلب بعد «هيئة تحرير الشام»؛ «جبهة النصرة» سابقاً.

 كما أنه معروف بعلاقته الوثيقة بصورة خاصة بالمخابرات التركية، ويمثل ذراعاً لها وأداة توصيل لرسائلها في علاقتها بكثير من الفصائل، ومن أهم الأدوار التي يقوم بها «الفيلق» مرافقة الأرتال العسكرية التركية لدى دخولها إلى الأراضي السورية، وحراسة نقاط المراقبة التركية في إدلب؛ ولذلك فإن القوات الجوية الروسية سبق أن استهدفت معسكراً للفيلق في «تل مرديخ» شمال سوريا (سبتمبر/أيلول 2017) بضربة كبيرة أسفرت عن قتل أكثر من أربعين مقاتلاً إلى جانب جرح العشرات.

 تصدير أفواج المرتزقة 

 ويقوم التنظيم بدور خطر بصورة خاصة في حشد وتنظيم سفر الإرهابيين المرتزقة من إدلب والشمال السوري لمصلحة تنفيذ أهداف السياسة التركية، وهو ما فعله في حالة ليبيا، وكذلك في حالة أذربيجان.. ويعتمد في ذلك على علاقاته الداخلية والإقليمية والدولية الواسعة، وخبرته التنظيمية الكبيرة.. خاصة وأنه على علاقة وثيقة للغاية بجماعة «الإخوان» السورية.. وعدد كبير من قياداته وأعضائه هم أعضاء في «الجماعة» مما يجعل بعض المراقبين يعدونه «الذراع العسكرية» لها، وإن كان الطرفان يتجنبان الإعلان عن ذلك؛ حرصاً على علاقة «الإخوان» بالتنظيمات الإرهابية الأخرى. ومعروف أن الجماعة تمتلك باعاً طويلاً في حشد و(تسفير) المقاتلين من أعضائها وغيرهم إلى المناطق الساخنة.

 من القوقاز إلى إدلب

وهكذا فإن ضرب معسكر «فيلق الشام» القريب جداً من الحدود التركية (في جبل الدويلة على مسافة 9 كم من الحدود).. جاء كرسالة قوية من الكرملين إلى أردوغان رداً على مساعيه (لتوطين الإرهاب) في القوقاز الجنوبي على مقربة مباشرة من الحدود الروسية. كما أن عربدة تركيا في الحديقة الخلفية لروسيا أمر لا تقبل به موسكو.

 من ناحية أخرى، فإن أردوغان ينتهج سياسة داعمة للإرهاب بوضوح في إدلب، وقد حول إدلب إلى بؤرة للإرهاب تضم عشرات الآلاف من المقاتلين المتطرفين.. وهذا وضع يمثل خطراً على السلام والأمن ليس في سوريا والشرق الأوسط فحسب؛ بل وفي أوروبا والعالم بأسره، وخاصة مع انتهاج سياسة نقل الإرهابيين من بلد لآخر، والسماح بتسربهم في صفوف اللاجئين، ولسنا بحاجة إلى شرح أخطار مثل هذه السياسة.

 ويلجأ أردوغان إلى المراوغة والمماطلة بصورة لا نهاية لها في تنفيذ الاتفاقات التي يتم التوصل إليها؛ لتصفية البؤرة الإرهابية في إدلب، فقد تم التوصل إلى (اتفاق سوتشي) بين موسكو وأنقرة في (سبتمبر/أيلول 2018) والذي يقضي بإقامة منطقة منزوعة السلاح (بعمق 15-20 كم) حول حدود المنطقة، ونزع السلاح الثقيل من أيدي المنظمات الإرهابية وفصلها عن المنظمات الأخرى، لكن شيئاً من ذلك لم يتم، ما دفع القوات السورية والروسية لشن هجومين أولهما صيف 2019 وثانيهما في شتاء 2020/2019، وحقق الهجوم الثاني بالذات انتصارات كبيرة للقوات السورية (والحليفة) فقد تم تحرير طريق (حلب – دمشق الدولي/m5) والمناطق المحيطة بحلب من الجنوب والغرب، واستئناف الطيران من مطار المدينة.. وشارك الأتراك مباشرة في القتال فخسرت القوات التركية عشرات القتلى ومئات الجرحي. وتم الاتفاق على وقف إطلاق النار في قمة جمعت بوتين بأردوغان (5 مارس/آذار 2020) في الكرملين. وتضمن الاتفاق فتح طريق – حلب اللاذقية (m4) وإقامة منطقة عازلة على جانبيه (6 كيلو مترات على كل جانب) وتسيير دوريات روسية – تركية مشتركة؛ لتأمين الطريق، واستكمال تنفيذ اتفاق سوتشي.

 غير أن أردوغان عاد للمراوغة، وأعلن أن (اتفاق موسكو 2020) لا يمنع تركيا من تعزيز قواتها في إدلب. وتعزيز قوات الإرهابيين ومدهم بمزيد من الأسلحة (يسميهم الثوار!!) كما دفع الإرهابيين التابعين له لمنع فتح طريق (حلب  اللاذقية m4) في انتهاك صريح لاتفاق موسكو، ولم يقم بسحب نقاط المراقبة شمالي حماة وجنوبي إدلب (مورك – ومعر حطاط – وتل الطوقان) مع أن هذه النقاط وقعت تحت الحصار المحكم للقوات السورية، وأصبحت ساقطة عسكرياً بصورة مطلقة وجنودها رهائن من الناحية الفعلية.

والأكثر من ذلك أن المخابرات التركية بدأت في دفع الفصائل الإرهابية؛ لتشكيل (مجلس عسكري موحد)؛ لتنسيق العمل فيما بينها؛ ومواجهة أي هجوم سوري محتمل بفاعلية أكبر.

 حشود سورية وروسية

 وفضلاً عن ذلك فإن الفصائل الإرهابية لم تكف عن مهاجمة المواقع السورية (والحليفة) في إدلب وحلب واللاذقية.. وفي مواجهة ذلك كله لم يكن هناك أي مفر أمام دمشق وموسكو من البدء في حشد القوات؛ لشن هجوم جديد؛ لفرض تنفيذ الاتفاقات التي يراوغ أردوغان في الالتزام بها.

 ولما وجدت موسكو أن الضغوط السياسية على أردوغان لا تكفي؛ لجأت إلى توجيه ضربتها العسكرية القوية إلى «فيلق الشام» ليفهم أردوغان أن صبرها قد نفد، وأنه قد يكون مقبلاً على معركة يتعرض فيها لهزيمة جديدة، بينما هو في وضع عزلة دولية خارقة..

 وهكذا سرّع انسحابه من نقطة (مورك) وأعلنت تركيا أنها ستنسحب قريباً من (معر حطاط وتل الطوقان)؛ لكنها ستسلم المعدات والأسلحة للإرهابيين في جبل الزاوية الاستراتيجية الحصين جنوبي إدلب؛ لكن هذا غير كافٍ بالطبع، فسوريا تريد تحرير إدلب.. وروسيا قد ضاقت ذرعاً بعربدة أردوغان ومراوغاته، وعبّرت بوضوح عن استعدادها لاستخدام القوة.

 الحد الأدنى المقبول من أردوغان الآن هو تنفيذ اتفاقي سوتشي وموسكو، وإلا فإن الأرجح جداً أنه سيجد نفسه أمام معركة كبيرة جديدة في إدلب.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"