عادي

صراع على القطب الشمالي

23:12 مساء
قراءة 4 دقائق
القطب الشمالي

كتب: المحرر السياسي

شهد عام 2020 اهتماماً كبيراً بالقطب الشمالي من موسكو من حيث الاستثمارات والبصمة العسكرية واستراتيجياتها السياسية الأخرى. ففي الآونة الأخيرة، أقر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «استراتيجية تطوير منطقة القطب الشمالي الروسية، وضمان الأمن القومي حتى عام 2035». 

صاغ مجلس الأمن القومي الروسي مسودة هذه الاستراتيجية التنموية في فبراير/شباط الماضي، وهي تتماشى مع سياسة الدولة واستراتيجياتها للتنمية الاجتماعية والاقتصادية الصادرة في وقت سابق من هذا العام. وتحدد استراتيجية التنمية الآليات التي ستحققها سياسة الدولة وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية في القطب الشمالي. 

وتنص هذه الاستراتيجية على أن حركة الشحن في الممر الشمالي الشرقي ستصل إلى 130 مليون طن سنوياً بحلول عام 2035، صعوداً من 31.5 مليون طن في عام 2019. ومن المهم ملاحظة أن هذه الاستراتيجية موجهة نحو التحديات والفرص المحلية في القطب الشمالي الروسي، ومع ذلك فهنالك تحديات دولية مطروحة لحدود القطب الشمالي الروسية وعمليات التنمية الجارية في المنطقة. 

وتتمثل الأهداف الرئيسية لروسيا في سياستها الخاصة بالقطب الشمالي، في استخدام مواردها الطبيعية، وحماية النظم البيئية واستخدام البحار كنظام نقل لصالح روسيا، والتأكد من أن تبقى منطقة سلام وتعاون.

وجود عسكري روسي

 وتحتفظ روسيا حالياً بوجودها العسكري في القطب الشمالي ولديها خطط لتطوير ذلك، إضافة إلى تعزيز وجود حرس الحدود وخفر السواحل هناك، كما قامت موسكو طوال قرون باستخدام منطقة القطب الشمالي لتحقيق مكاسب اقتصادية للشحن وصيد الأسماك. 

ويبدو أن الاستراتيجية الروسية الجديدة في القطب الشمالي تواجه تحدياً عالمياً، في حال زادت حدة الصراع المحتمل بين موسكو والغرب، حيث ذكرت الوثيقة بإيجاز، إمكانية تعرض استراتيجية تطوير منطقة القطب الشمالي لعقبات في حال حدوث مواجهات عسكرية. 

ومع صعود الصين وزيادة مطالباتها في القطب وتعزيز روسيا لسيطرتها العسكرية على مياه القطب الشمالي، وتعاظم التقارب بين موسكو وبكين، ناهيك عن التوترات الجيوسياسية بين روسيا والولايات المتحدة، والتنافس العالمي بين واشنطن وبكين، فإن كل ذلك يورط القطب الشمالي في منافسة متجددة بين القوى العظمى. 

وفي خطابه الأول خلال الاجتماع الوزاري لمجلس القطب الشمالي الذي يعقد مرة كل سنتين في روفانيمي بفنلندا، وصف وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو القطب الشمالي بأنه «ساحة لاستعراض القوى والمنافسة العالمية». وفي عام 2018، أصدرت الصين استراتيجياتها بشأن القطب المتجمد، وقدمت نفسها على أنها دولة «قريبة من القطب الشمالي»، وكشفت عن مبادرة «طريق الحرير القطبي» التي تعد امتداداً لمبادرة الحزام والطريق الكبرى. 

وفي المقابل تعمل روسيا على تعزيز وجودها العسكري والتجاري في القطب المتجمد عبر تطوير قواعد عسكرية وبحرية جديدة، وإعادة تجديد القواعد القديمة وتوسيع أسطولها المأهول بالفعل، من كاسحات الجليد، والغواصات التي تعمل بالطاقة النووية. 

 صراع صيني أمريكي

ومع تحسن الوضع الاقتصادي والعسكري والدبلوماسي للصين بشكل كبير خلال العقدين الماضيين، تسعى بكين الأكثر ثقة وازدهاراً إلى الحصول على مكانة دولية أعلى، ليس فقط في المحيطين الهندي والهادئ، ولكن أيضاً في أجزاء أخرى من العالم. وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن تدخل الصين في مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة، فإن استراتيجياتها التوسعية للاستيلاء على مصادر الطاقة تشكل مصدر قلق لاستقرار القطب الشمالي بشكل كبير، ومصالح الولايات المتحدة على وجه الخصوص. 

 وتعتبر جرينلاند وآيسلندا مركزين للصراع الدبلوماسي بين الولايات المتحدة والصين، حيث تتضح المخاوف الأمريكية بشأن الاستثمارات الصينية في الموارد المعدنية في جرينلاند، والطاقة الحرارية الجوفية في آيسلندا، إضافة إلى مشروعها المشترك مع فنلندا لتطوير «طريق الحرير الرقمي». 

وتعد جرينلاند مثالاً على تضارب المصالح الأمريكية والصينية في منطقة القطب الشمالي، حيث أدت محاولة بكين شراء قاعدة بحرية مهجورة وحرصها على بناء مطار جديد في نوك، عاصمة جرينلاند، إلى ضغط وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس على الحكومة الدنماركية من أجل وقف هذه المبادرات، مع تقديم واشنطن تعهدات بإنجاز هذه المشاريع. وعلاوة على ذلك، تعيش الإدارة الأمريكية في خوف دائم من أن الاستثمارات الصينية في اقتصاد جرينلاند قد تشجع الجزيرة على المطالبة باستقلالها عن الدنمارك؛ إذ سيكون ذلك انتكاسة كبيرة لالتزامات الولايات المتحدة الأمنية في المنطقة، وخاصة لقاعدتها العسكرية في ثول، شمالي الدائرة القطبية الشمالية. 

وتزداد احتمالية حدوث صدام عسكري كبير بين الولايات المتحدة وروسيا، بسبب المواجهات المتكررة للسفن الروسية التي يديرها حلف الناتو في بحر بارنتس وبحر النرويج. وفي عام 2018، اتُهِمت روسيا بتشويش رادارات قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، خلال التدريبات والمناورات التي أقامها الحلف في المنطقة القطبية الشمالية قرب شبه جزيرة «كولا». 

وتصاعدت حدة التدخلات العسكرية في منطقة القطب الشمالي منذ عام 2007، حين رفعت روسيا علمها في إحدى مناطق الدائرة القطبية، لتشعل جدلاً حول نطاق سيادة كل بلد من البلدان المطلة على البحر، ولتبدأ كل منها في تعزيز قوتها البحرية في تلك المنطقة، كما تدفع كندا منذ عام 2002 بأحقيتها في السيادة على القطب الشمالي، وقدمت طلباً للجنة الأمم المتحدة المختصة في ترسيم الحدود الدولية للنظر في القضية. ويشمل الطلب الكندي ضم منطقة بمساحة 1.2 مليون كيلومتر مربع تتضمن منطقة القطب الشمالي، كما قدمت روسيا طلباً مماثلًا بضم القطب إلى أراضيها.

وعلى صعيد الثروة النفطية، تسعى الصين، أول دولة مستهلكة للطاقة في العالم، للحصول على الاحتياطي الكبير من النفط في القطب الشمالي، مع وجود مشاركة لشركات النفط الصينية في عمليات التنقيب عن الموارد الطبيعية في المنطقة القطبية لروسيا. 

وهنالك تقارب استراتيجي بين موسكو وبكين تحكمه الضرورات لتحقيق التوازن مع الولايات المتحدة. وتتزايد الرغبة في تحقيق هذا التوازن بسبب الرغبة الروسية في تعزيز بنيتها التحتية وتعزيز استثماراتها. 

إن ديناميات القوة بين الدول الثلاث الكبرى: الولايات المتحدة والصين وروسيا، ستملي قواعد السلام والاستقرار أو الصراع والحرب في منطقة القطب الشمالي. ودائماً ما يكون التنبؤ بالمستقبل صعباً ومحفوفاً بالمخاطر، ولكن من الآمن القول، إن القراءة الجيوسياسية الحالية للنظام العالمي ونظام منطقة القطب الشمالي تشير إلى مستقبل غامض وغير مستقر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"