عادي

ملخصات الكتب.. القراءة « تيك أواي »

00:00 صباحا
قراءة 6 دقائق
1

الشارقة: علاء الدين محمود

انتشرت، مؤخراً، ظاهرة المواقع المتخصصة في تلخيص الكتب والمؤلفات، مستفيدة من التطور الكبير في تقنيات المعلوماتية والاتصال؛ حيث تعددت أنواع تلك المواقع ووسائلها، فهنالك التلخيص المكتوب على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي؛ مثل: «تويتر» و«فيسبوك»، وغيرها، وهنالك المسموع والمشاهد في قنوات ال«يوتيوب»، وتطبيقات الهواتف المحمولة، ويربط كثيرون بين تفشي الظاهرة، ونمط الحياة التي يعيشها الإنسان في العصر الحالي، والتي تتسم بالجنون والسرعة، وانشغال الكائن وراء حاجيات الحياة ومتطلباتها؛ حيث ليس لدى الإنسان الوقت ليقضيه في قراءة كتاب كامل.

تلك المواقع قدمت نفسها ك«محال تجارية»، أو حالة منسجمة مع فكرة الاختصار في كل شيء؛ حيث تعمل على عرض خدمة أو سلعة لجمهور المستهلكين من القرّاء، ولأن المرء بحاجة للمعارف في شتى المجالات، فهو يقبل على تلك المواقع التي توفر له المعنى باختصار شديد؛ ولكنها في ذات الوقت تحجب المتعة، والتي هي من أهداف القراءة الرئيسية، فلئن درج بعض النقاد على تقييم المؤلفات، خاصة في مجال الكتابات الإبداعية، من خلال المعنى الذي يسكنها، أو الذي يكمن خلفها، فإن الدراسات النقدية الحديثة قد أكدت أن الجمال والمتعة يشكلان معنى مكتمل الأركان، كذلك فإن الاختصار يُغيب الكيفية التي توصل بها المؤلف إلى الحكمة المعينة في الكتاب، كما أن تلخيص المؤلفات العلمية والأكاديمية، من شأنه أن يضيع المعلومات التي استند عليها الكاتب. 

 معايشة

إن قراءة أي مؤلف، هي عملية تفكيكية تتابع الموضوع منذ بداياته ومنعطفاته وصعوده، حتى وصوله إلى المعنى، فموضوع أي كتاب هو عبارة عن دهاليز ومجاهيل يخوضها الكاتب، ولابد للقارئ أن يكون ملماً بكل شاردة وواردة فيها، ففي الرواية على سبيل المثال، فإن عوالم وفضاءات من الإبداع تغيب عند التلخيص؛ حيث إن القارئ لن يستطيع الإلمام بالأسلوبية التي كتبت بها الرواية، وكيف صنع المؤلف شخوصه، وكذلك الأحداث والوصف والتقنيات، وهي مفردات تشكل قيمة الرواية وأساسها الفني والمعرفي، والتي لن تبوح بأسرارها إلا من خلال «المعايشة»، والتي تشكل كلمة السر في قراءة أية رواية، فهي الجمال والمتعة، وهي المعرفة، والغريب أن هذا الأمر ينطبق أيضاً على المؤلفات الفلسفية، والتي يتشكل خطابها ومقولاتها ومفاهيمها من خلال أنساق يجب معايشتها والإلمام بها، فلابد من متابعة ذلك الخيط الطويل الذي يمتد في المسافة ما بين «من»، و«إلى»، فهي رحلة غير قابلة للاختصار، وما يصيب القارئ في حالة النسخ المختصرة؛ هي قشور المعارف وليس جوهرها، فهنالك فرق كبير بين الانطباع العام حول الكتاب والذي توفره النسخ المختصرة، وبين المنظومة المعرفية الكاملة التي تتيحها المعايشة، فالاختصار يتوافق حقيقة مع ثقافة الاستسهال التي تسود الآن، وبالطبع هنالك فرق كبير بين عملية الكتابة التي تستهدف تلخيص الكتاب، وتقديم نسخة مختصرة عنه، وتلك التي هي نتاج قراءة للمؤلف المعين، ففي الأخيرة يبرز رأي وفكرة الذي يقوم بعملية القراءة، وهي عملية معروفة في الصحف والمجلات الثقافية المتخصصة. 

 ترويج

غير أن البعض يرى أن هذه المواقع قد تكون ذات فائدة في الترويج للمؤلفات، فالتلخيص قد يحمل نوعاً من التشويق يشد القارئ نحو الكتاب المعين، وهذا بالطبع يعتمد على نوعية وكيفية التلخيص، فهو في هذه الحالة يعتمد على منهجية معينة، وهو الأمر غير المتوفر في معظم تلك المواقع، وفي زمن كانت الترجمات فيه شحيحة، مع وجود تعطش كبير للمعارف، كان بعض كبار الأدباء يقدم تلخيصاً واختصاراً لمؤلفات ذات قيمة معرفية كبيرة، وتستهدف وضع القارئ العربي أمام الإنتاج الأدبي والفكري لكاتب معين، وهذه العملية كانت تخدم أيضاً التيار الفكري والأدبي الذي ينتمي إليه من يقوم بعملية التلخيص؛ حيث كانت التيارات الأدبية والفلسفية تنتشر بصورة كبيرة في السابق وتطغى على المشهد الثقافي العربي، وهي اتجاهات تنتمي في الأصل للمشهد الأوروبي من واقعية وسريالية وتجريدية وعبثية ورومانسية وغيرها من المدارس الفكرية والإبداعية، فكان المتحيزون لبعضها من العرب، يقومون بتلخيص مؤلفات المفكر أو الأديب الذي ينتمي إلى الاتجاه المعين، بالتالي عملية التلخيص هنا مرتبطة بفكرة وهدف معين، وهو الترويج والانتصار للمذهب المحدد، وكذلك، في المنتديات الأدبية ومجالس القراءة، والتي تعود للانتشار الآن عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومنتديات الدردشة، فإن البعض يقدم ملخصاً عن كتاب نال إعجابه؛ ولكنه في الحقيقة لا يقدم اختصاراً جافاً؛ بل يقدم فكرته هو عن الكتاب، تماماً مثلما يحدث في موقع «جوود ريدز»، فهو لا يهتم بوضع ملخص للكتاب، بقدر ما يسعى لمعرفة رأي القرّاء فيه، وهذه العملية تساعد الموقع في صنع قياس رأي حول المؤلفات الأكثر مقرؤية واهتماماً، وتلك المسألة بالطبع مختلفة عمّا يجري في مواقع تلخيص المؤلفات، التي تريد أن تصنع نصاً يفتقد لروح الكاتب؛ بل وتشوش فكرته وتغالطها في بعض الأحيان.

 تأمل 

في السابق كانت هنالك أيضاً نسخ مختصرة من المؤلفات والقصص والروايات، التي كانت تقدم للأطفال، أو توضع ضمن المناهج التعليمية في المدارس، وعملية التلخيص في هذه الحالة تستهدف عقولاً غضة وتساعد في أن يدرك النشء العبر والقيم الأخلاقية في الكتاب المعين؛ بل إن بعض الكتب يتم التصرف قليلاً في محتواها؛ لتخدم المنهج التربوي المعين؛ لذلك نلاحظ أن بعض القصص المختصرة للأطفال قد كتب عليها كلمة «بتصرف»، وهذا يشير إلى دور الأعمال الخالدة العظيمة في صناعة الأجيال، ويبدو من المفارقة هنا أن هذه العملية «الاختصار»، التي كانت تستهدف الصغار في الماضي، توجه الآن، على الرغم من تطور التعليم ووسائل الثقافة، إلى الكبار، فمسألة أن تصبح هنالك مواقع مختصة بالاختصار يحتاج بالفعل إلى تأمل في واقعنا الراهن؛ من حيث علاقتنا بالكتاب والقراءة والمعرفة.

 مزاج

إن ما يسود الآن من انتشار لمواقع وصفحات تلخيص الكتب، هو في حقيقة أمره يعد نوعاً من التماهي والانسجام مع ثقافة العصر، وهو في ذات الوقت ينزع عملية القراءة من مضمونها الحقيقي والموضوعي، والمتمثل في التأني في تحصيل وفهم ما يجري في الكتاب من عمليات فكرية وذهنية ونفسية، حيث يختصر التلخيص كل ذلك ويقدم بدلاً عنها كبسولات تتفق مع ثقافة «التيك أواي»، السائدة، كما أن عملية الاختصار نفسها تحمل بصمة من يقوم بذلك الفعل، فهو يركز على النقاط التي استهوته وأعجبته وتوافقت مع رؤاه ووجهة نظره، هو، بالتالي يشرك القارئ في عملية الإعجاب هذه، ويحجب عنه الصورة الكاملة لحقيقة الكتاب، عبر تقديم ما صار يعرف ب«البريف»؛ أي النبذة، فهو هنا يبرز كسلطة تمارس فعلي المنح والحجب، وبالتالي يصبح القارئ رهين مزاج ملخص الكتاب المعين، فهو يقوم بعملية تخليص النص من المواضيع والزوايا التي لم تلفت اهتمامه، ويسلط عدسة مجهرية على نقطة معينة تتفق معه ومع تفكيره، وهي مسألة لا تخلو في بعض الأحيان من «الألغام»؛ والمتمثلة في التعبير عن الرأي ودسه في حواشي النص المختصر.

 سلطة المؤلف

إن التلخيص يخرج القارئ من سلطة المؤلف، ليقع في أسر سلطة أصغر وأقل شأناً وهي المتعلقة بإرادة وخيارات ملخص الكتاب، وهذا يقود لمسألة في غاية الأهمية، وذات علاقة بفلسفة القراءة، فالقارئ يخلق علاقة كبيرة مع الكتاب، مع تفاصيله وليس عمومياته، وهو إذ يفعل ذلك فهو يصل إلى لحظة في غاية الأهمية، وهي خلق نوع من الندية مع الكاتب أو المفكر؛ بحيث تبرز لديه رؤية جدلية ونقدية تجاه الأفكار الواردة في النص، والقارئ إذ يفعل ذلك فهو يعمق من رؤيته الخاصة، ويجتهد في تكوين موقفه المستقل عن الكاتب، بالتالي هو يمارس فعل التحرر، ليس ذلك فحسب؛ بل إنه قد يتخطى الحدود التي وضعها كاتب النص لينفذ إلى ما هو أعمق، بالتالي تتوسع الرؤية لديه؛ بل ويتجاوز القارئ المؤلف ويصل إلى المصادر الرئيسية عند المفكرين والكتّاب والفلسفات والأفكار التي شكلت وكونت النص المعين، وهي عملية تسهم في رصيد المعارف بصورة عامة، والتي هي عبارة عن مجرى يضيف كل شخص إليه ويأخذ منه، وهذا ما تحرمنا منه المختصرات التي تضحي بالتفاصيل؛ من أجل العموميات، والمعرفة لمصلحة القشور، وهذه خفة يسهم فيها عدم الصبر على عملية القراءة والتي هي مسألة ضرورية في تحصيل المعارف. 

مواقع شهيرة

عملية تلخيص الكتب، لا يقوم بها فقط شخص هاوٍ، لديه موقع فقط؛ بل كذلك مجموعات متخصصة في عملية التلخيص على نحو ما يفعل موقع «بوك بريف»، والذي يقوم باختصار أشهر الكتب العالمية فيما يراوح بين «10 إلى 8»، صفحات باللغة العربية، ويعمل الموقع على تلخيص 4 كتب شهرياً، ويقدم ملفاً للمؤلفات المسموعة، وهنالك أيضاً قناة «ملخصات الكتب»، التي تعطي نبذة مسموعة عن المؤلف المعين، مع تقديم بعض وجهات النظر عن ذات الكتاب، وهنالك أيضاً تطبيق «أخضر»، الذي يتاح للتحميل عبر الهاتف المحمول، ويقدم ملخصات لمئات الكتب في شكل نصوص مكتوبة ومسموعة مدتها 10 دقائق فقط، وكذلك تطبيق BlinkList، (بلينكست)، الذي يعمل على توفير خدمة التلخيص للقصص غير الخيالية، عبر 15 دقيقة فقط، وهنالك الكثير من المواقع والتطبيقات والقنوات، والتي تجد إقبالاً كبيراً من قبل القرّاء خاصة من أجيال الشباب، وقد انتشرت بصورة كبيرة مؤخراً، وعلى الرغم من أن هذه التلخيصات لا تقدم فكرة حقيقية عن المؤلفات ولا تغني عن قراءتها، فإنها تتيح قوائم لمؤلفات ومؤلفين قد لا يسمع عنهم القارئ العربي، وهي بذلك نجحت في اجتذاب اهتمام القرّاء، وهذه المسألة من شأنها أن تهدد بالفعل القراءة المتعمقة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"