تحدي الثقة

00:20 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

بعيداً عن السجالات الشعبية والفقهية المحتدمة، والوضع الإنقسامي الذي أفرزته الرسوم المسيئة من قبل مجلة «تشارلي ايبدو» وجرائم القتل المرتبطة بها، يجب علينا التركيز على أهمية التحلي بالثقة لدى الأفراد والجماعات في أية مقاربة لهذا النوع من الأزمات المثيرة للاضطراب والحيرة والمزعزعة للاستقرار.

 والثقة هي مفتاح العقل القادر على احتواء الأضرار الناجمة عن المواقف الزلقة والمنفلتة عاطفياً والأنانية غير المحكومة بمنطق المصالح المشتركة.

 وفي هذه القضية التي أطلقتها رسوم المجلة الفرنسية المستفزة والمسيئة؛ برزت ردود فعل متباينة كل التباين ومتناقضة أيضاً انتهت بجريمة قتل ثلاثية أطلقت بدورها سلسلة جديدة من ردود الفعل وموجات من الكراهية والاضطراب والحيرة، وظهرت الحاجة الماسة الى ضرورة التحلي بالثقة في مواجهة هذه المواقف وغيرها.

 ظهرت هذه الرسوم بداية في الصحافة الدنماركية قبل أن تنتقل الى صحيفة «تشارلي ايبدو» المغمورة وقد برزت آراء عقلانية وقتها تقول إن هذه الصحف تحاول الاستثمار في الكراهية؛ لزيادة مبيعاتها. وكان من الأجدر أن تسود هذه الآراء العقلانية؛ لتقود موجة الغضب الشعبي من حالته السلبية الحائرة إلى حالات إيجابية أكثر جدوى وتعزيز الترابط والتضامن وتوثيق الاتصالات والنقاشات المثمرة مع الأفراد والمجموعات التي نددت بالرسوم المسيئة وفضحت أهدافها الأنانية المتخفية وراء حرية الرأي. تلك الأصوات التي انطلقت من المجتمعات الغربية نفسها.

 إن الحدثين الذين وقعا مؤخراً. الرسوم المسيئة وجريمة القتل الثلاثية، خرجا عن السياق وهما يتناقضان معه. فالإساءة والسخرية من الأنبياء والرسل لا تدخل في سياق حرية التعبير والرأي وهي المنجز الحضاري الأهم للتطور البشري الذي يرفض العنف ويتجنبه ويتعالى على امتهان الإنسان.

وفي الجانب الآخر فلطالما تعرض الأنبياء والرسل للاعتداءات الجسدية واللفظية ومحاولات الحط من مكانتهم والسخرية منهم. حدث ذلك خلال حياتهم وأثناء تأدية رسالاتهم ولم يسجل التاريخ أن ردودهم كانت انتقامية بأي شكل من الأشكال. لم يفتكوا بالخصوم ولم يسفكوا دماءهم ولكن بالعكس فقد كان منهجهم الثابت هو العفو والتجاوز، وليس ذلك غريباً فهم أنبياء التسامح ولايوجد تسامح من دون اعتداء واستفزاز. وهكذا فمرتكب الجريمة الثلاثية ليس ملتزماً بالنهج النبوي وهو خارج سياق التربية النبوية التي تنحاز للتسامح في أي مفاضلة مع نوازع العنف والإنتقام.

هناك بالطبع جماعات متطرفة تحاول الاستثمار في أجواء الأزمة وهي تمارس استقطاباً سلبياً وتؤجج المشاعر الدينية في محاولة؛ لخلق عدو وهمي وحشد الحشود ضده. وهؤلاء يرتكبون جريمة من نوع آخر وهم يتحملون جانباً من المسؤولية في أي عمل ارهابي وفي تعميق الاضطرابات وعدم الثقة في المجتمع.

 والتجاهل أيضاً يمثل نوعاً من أنواع التعامل الواثق مع مثل هذا النوع من البذاءات المثيرة للإضطراب والفوضى ويبطل مفاعيل الفتنة الكامنة فيها ويبدد أضرارها ويقتلها بهدوء. والتجاهل هو نهج قرآني يقول الله تعالى في كتابه الكريم ( إنا كفيناك المستهزءين )

[email protected].

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"