تغيير قواعد الاشتباك

00:16 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

على الرغم من ثبات خطوط التماس في شمال غربي سوريا، منذ نحو ثمانية أشهر، فإن المنطقة لا تزال تنذر بإمكانية حدوث انفجار هائل، من المؤكد أنه سيؤدي إلى تغييرات جوهرية في مسار الحرب السورية، خصوصاً أن هذا الانفجار لم يعد يرتبط بإرادة القوى المحلية، وإنما بحسابات أخرى لها علاقة ببؤر الصراع المتفجرة في عموم الساحة الإقليمية.

 منذ أوائل شهر فبراير/شباط الماضي، وبالتحديد عندما توقف هجوم الجيش السوري في جنوبي إدلب، باتفاق وقف إطلاق النار الحالي، بين بوتين وأردوغان، لم تشهد خطوط التماس أي تغيير يذكر، على الرغم من القصف المتبادل والخروقات اليومية للاتفاق، بل، على العكس، شهدت هذه الخطوط مزيداً من التحصين واستقدام التعزيزات العسكرية، في غياب أي أفق لإحياء العملية السياسية، ما أوحى بأن المنطقة مقبلة على سبات طويل. وبموازاة ذلك لم تقم تركيا بالوفاء بأيٍّ من تعهداتها التي قطعتها للجانب الروسي في مناطق «خفض التصعيد»، بما في ذلك فتح طريق حلب اللاذقية الاستراتيجي (إم 4)، وحتى الدوريات الروسية التركية المشتركة على هذا الطريق لم يعد بوسع الجانب الروسي الاستمرار فيها، بعد تعرضها لهجمات حلفاء أنقرة. 

 كسر الجمود لكل هذا الانسداد، جاء بالفعل عن طريق موسكو، التي يبدو أنها قررت استعادة زمام المبادرة، وإن كان الأمر يتعلق بحسابات ترتبط بالتحدي التركي لروسيا في إقليم ناجورنو كاراباخ، وجلب المرتزقة من سوريا وليبيا إلى قرب حدودها وضمن فضائها الجيوسياسي. وبالتالي فقد عمدت روسيا إلى توجيه ضربة قوية ومفاجئة إلى جماعة «فيلق الشام» الفصيل الأكثر قرباً لأنقرة، وممولها بالمرتزقة، في رسالة واضحة لتركيا بأن العقاب سيبدأ من سوريا وقد لا ينتهي عند حدود كاراباخ. لكن السؤال: هل سيؤدي ذلك إلى حدوث تغيير في قواعد الاشتباك؟ من المبكر الحديث عن ذلك، وإن كانت المؤشرات تشي ب «نعم»، فسحب أهم نقاط المراقبة العسكرية التركية من أرياف إدلب وحماة وحلب، مؤشر، بحد ذاته، على إمكانية انطلاق عملية عسكرية للجيش السوري، بدعم روسي قوي، لكسر الجمود على خطوط التماس، وربما استكمال هجومه الأخير باستعادة السيطرة على المزيد من المناطق، وتضييق الخناق على القوات التركية وحلفائها، أو حتى استعادة شمال غربي البلاد بأكمله. 

 هذا أيضاً له حسابات أخرى مرتبطة بكل الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في الصراع، لكن، ما يلاحظ في الأسابيع الأخيرة هو تراجع الاحتكاك بين القوات الروسية والأمريكية في شمال شرقي سوريا، في ظل العودة لضبط التفاهمات والتنسيق بين الجانبين، وازدياد حدة التناقضات بين أنقرة وواشنطن، وشلل الجانب التركي عن فتح المزيد من الجبهات، أو حتى عجزه عن تنفيذ تهديداته بعمل عسكري جديد ضد الأكراد السوريين، والخلاصة أن تغيير قواعد الاشتباك في إدلب بات مرهوناً بما يحدث في المنطقة والإقليم، أكثر مما هو مرتبط بالداخل السوري.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"