القوة الجوية في العلاقات الدولية

00:04 صباحا
قراءة 3 دقائق

الحسين الزاوي

استطاعت القوة الجوية أن تقلب، بشكل كبير، معادلة العلاقات الدولية والتوازنات الجيوسياسية، والجيواستراتيجية في العالم خلال قرن من الزمن، وبعد أن كان الطيران يعتبر حلماً بعيد المنال بالنسبة إلى الإنسان أصبح بداية من القرن الماضي يمثل العنصر الأساسي الذي تُبنى عليه قوة الدول، والوسيلة الفعّالة التي تفرض من خلالها هيبتها على الآخرين، وتبسط اعتماداً عليها سيادتها على مجمل ترابها الوطني، وتحافظ بالاستناد إلى تطور منظومتها، على مصالحها على المستويين الإقليمي، والدولي؛ وقد تعزّزت فعالية القوة الجوية خلال العقود الأخيرة بعد تطوير قدرات جوية جديدة تعتمد على الطائرات المسيّرة عن بعد، والأقمار الصناعية المنتشرة في الفضاء الخارجي، إضافة إلى الصواريخ العابرة للقارات التي أصبحت سرعتها تتجاوز سرعة الصوت.

 ويشير الباحث باسكال دوبون، إلى أن القوة الجوية تطوّر دورها بشكل لافت بعد نهاية الحرب الباردة، وأصبحت تلعب دوراً أكثر تأثيراً على مستوى العلاقات الدولية، وأضحت تمثل الأداة الملائمة لتطبيق القانون الدولي في العديد من مناطق العالم، كما أن استخدام القوة الجوية بات يخضع مع مرور الوقت للتشريعات التي تبنتها الأمم المتحدة في هذا المجال من أجل حماية المدنيين في مناطق النزاعات، والحروب، بخاصة بعد التطورات التكنولوجية الكبيرة التي شهدها الطيران الحربي في ما يتعلق بقدرته التدميرية الكبرى، ومجال انتشاره الواسع عبر مناطق جغرافية واسعة عابرة للبلدان والقارات على غرار ما تقوم به الطائرات الاستراتيجية الضخمة، وبالتالي، فإنه لم يعد من الممكن الحديث منذ بداية الألفية الجديدة عن العلاقات الدولية، وعن عمليات حفظ السلام، وعن مهمات الإغاثة الإنسانية من دون الاعتماد على العمليات الجوية.

 ونستطيع التذكير في هذا السياق بأن القوة الجوية دخلت مرحلة جديدة غير مسبوقة من أجل حسم النزاعات الإقليمية بداية من سنة 1990 بعد الغزو العراقي للكويت، حيث اُستعملت القوة الجوية بشكل مكثف من خلال إلقاء 88500 طناً من القنابل على مواقع الجيش العراقي، طيلة 40 يوماً من دون توقف، والدور الحاسم نفسه قامت به القوات الجوية الدولية، خاصة الأطلسية خلال التسعينات من القرن الماضي في حرب البلقان، وفي أفغانستان سنة 2001، وفي العراق مرة أخرى مع بداية الاحتلال الأمريكي سنة 2003، ومن ثمّ فليس من باب الصدفة أن يظل رهان التواجد العسكري الأمريكي في العراق متعلقاً في المرحلة الراهنة بالقواعد الجوية التي تتيح لواشنطن التأثير في الأوضاع في المنطقة برمتها.

 وإذا أردنا التركيز على الشرق الأوسط، فإنه سيكون بإمكاننا التأكيد أن الحروب، ومعها مجمل التحوّلات الجيوسياسية التي شهدتها المنطقة، قد جرى حسمُها اعتماداً على القوة الجوية، حيث أدى قصف مواقع الطيران المصري في يونيو/ حزيران 67 إلى احتلال إسرائيل لأجزاء من الأراضي العربية، وإلى تعديل في لائحة المطالب خلال محدثات السلام التي جرت لاحقاً، ما يفسّر أن تل أبيب تحرص على أن تظل محتفظة بالتفوق العسكري على مستوى القوة الجوية؛ كما أن الحلف الأطلسي بقيادة فرنسا وبريطانيا اعتمد سنة 2011 على القوة الجوية لإسقاط نظام معمر القدافي في ليبيا، وقام التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بداية من سنة 2014 بتوظيف القوة الجوية من أجل القضاء على تنظيم «داعش»، وعلى زعيمه أبو بكر البغدادي.

 ولعبت، أيضا، القوة الجوية الروسية في سوريا دوراً حاسماً في تغيير معادلة الصراع لمصلحة الأطراف الداعمة لحكومة دمشق، كما أسهم إسقاط تركيا لطائرة روسية عند الحدود مع سوريا سنة 2015 في تغيير مسار العلاقات بين موسكو، وأنقرة، أفضى لاحقاً إلى حدوث انفراج وتعاون بينهما، وإلى قيام روسيا بتزويد تركيا بمنظومة صواريخ «إس 400».

 ويمكن القول إن العمليات الجوية المعتمدة على الطيران الحربي التي جرى تنفيذها في مناطق وفي سياقات مختلفة، وفي حروب داخلية، وإقليمية، ودولية، كان لها تأثير حاسم في الأوضاع في العالم؛ إذ تسمح القوة الجوية، إضافة إلى كل ما سبق ذكره، بالحفاظ على السيادة، والوحدة الترابية للدول، وتتيح للدول الكبرى التدخل خارج حدودها للدفاع عن مصالحها، اعتماداً على ترسانة من الطائرات تضم أسراباً مقنبلة، وأخرى مطاردة، زيادة على طائرات مخصّصة لنقل الجنود، ولتزويد القوات العسكرية بالمؤن والذخيرة، وطائرات لتزويد الطائرات بالوقود في الجو؛ ولذلك فإنه ليس من العبث أن تحرص الجيوش العربية، وفي طليعتها الجيش المصري، والسعودي، والإماراتي، والجزائري، على تطوير قدراتها الجوية من أجل التصدي لمختلف التحديات التي تواجهها المنطقة العربية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"