عادي

مساءلة خطة الحياد الكربوني الصينية

20:48 مساء
قراءة 4 دقائق
الصياد

د. محمد الصياد *

كما ذكرنا في مقالٍ سابق، فقد تم الترحيب على نطاق واسع بتعهد الصين بتحقيق حياد الكربون قبل عام 2060، باعتباره أهم معلم في سياسة المناخ العالمية في السنوات الخمس الماضية، (منذ توقيع اتفاق باريس للمناخ في 2015). وهو التعهد الذي ورد على لسان الرئيس الصيني شي جين بينج، في خطابه (عبر الفيديو) أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم الثلاثاء 22 سبتمبر/ أيلول 2020، حيث أكد أن الصين ستتبنى «سياسات وتدابير أكثر قوة لزيادة هدفها المتعلق بالمناخ، والوصول إلى ذروة انبعاثاتها من ثاني أوكسيد الكربون قبل عام 2030». متعهداً في الوقت ذاته، بالانتهاء من مهمة بلاده المتمثلة في مساهمتها في الاحتباس الحراري وتحقيق حياد الكربون بحلول عام 2060، في خطوة اعتبرها المناخيون، كما أسلفنا، نقلة نوعية هائلة في العمل المناخي العالمي. فإنْ هي فعلت ذلك حقاً، فهذا يعني أنها يمكن أن تسهم في خفض توقعات الاحترار العالمي بمقدار 0.2 إلى 0.3 درجة مئوية، وهو أكبر انخفاض منفرد يتم تسجيله منذ توقيع اتفاق باريس في عام 2015، وفقاً لمؤشر «متعقب العمل المناخي». 

فضلاً عما يعنيه ذلك من أن الصين، المسؤولة عن ربع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم، ستتخلص، تدريجياً، بحسب البروفيسور نيكلاس هون، من معهد المناخ الجديد من أي استخدام تقليدي للفحم والنفط والغاز بحلول منتصف القرن الحالي، وهو أمر لم يكن من الممكن تصوره قبل بضع سنوات.

لكن هنالك بعض الدوائر والأوساط العالمية المعنية بقضية المناخ التي بقدر ما أدهشها الإعلان والالتزام المناخي الصيني الجديد، بقدر ما أثار لديها بعض الأسئلة، إن لم تكن تحفظات. 

من ذلك على سبيل التحديد، أن هدف الخطة الصينية لا يشمل جميع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. فهي تغطي فقط، من ظاهرها على الأقل، انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، وليس غازات الدفيئة الأخرى مثل غاز الميثان الذي تفوق قدرته على تسخين الجو أكثر من 25 مرة ما يفعله غاز ثاني أوكسيد الكربون، وهو غاز ناتج عن تحلل المخلفات العضوية، وعملية هضم الماشية، لاسيما الأبقار (مسؤولة عن نحو 17% من انبعاثات غاز الميثان)؛ وأكسيد النيتروس الناتج عن الأسمدة، وكذلك الغازات الفلورية الأربعة التي يصنعها الإنسان للاستخدام في أجهزة التبريد، والتي يمكن أن تبقى في الغلاف الجوي لعدة قرون، وتساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري العالمية، وهي مركبات الكربون الهيدروفلورية (HFCs)، ومركبات الكربون المشبعة بالفلور (PFCs)، وسداسي فلوريد الكبريت (SF6)، وثلاثي فلوريد النيتروجين (NF3). 

لذلك فقد اعتبر رئيس الأبحاث في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، أوليفر جيدن، أن الصين تعهدت ب «حياد الكربون»، بدلاً من «الحياد المناخي»، ذلك أن الوصول إلى الحياد المناخي يستغرق وقتاً أطول بكثير من حياد الكربون، لأن بعض الانبعاثات، من غير ثاني أوكسيد الكربون، يصعب التخلص منها، لذا يتم تعويضها عن طريق إزالة ثاني أوكسيد الكربون من الهواء.

السؤال الثاني الذي يبحث عن إجابة له في الخطة الصينية، يتعلق بما إذا كانت الصين مستعدة للتخلص التدريجي من الفحم. فالفرضية الواقعية، تقول إذا كانت الصين تسعى لتحييد الكربون بحلول عام 2060، فإنها ستحتاج للتوقف عن حرق الفحم. وهو أمر أساسي بالنسبة إلى دولة تنتج نصف طاقة الفحم في العالم. وحتى يوليو/ تموز 2020، كان هناك 100 جيجاوات أخرى من طاقة الفحم قيد الإنشاء، و150 جيجاوات قيد التخطيط. دوائر المناخ ترجح تسريع الصين خططها للتخلص التدريجي من الفحم مع زيادة الطموحات المناخية. بيل هير، الرئيس التنفيذي لتحليلات المناخ، على سبيل المثال، أكد أن الصين نادراً ما تعلن تعهدات ما لم تكن واثقة من أنها ستحققها فعلاً.

سؤال ثالث يتعلق بمدى قدرة الصين على بلوغ ذروة انبعاثاتها في زمن أبكر من التاريخ الذي التزمت به سابقاً، وهو 2030. ضغط الوقت (بالنسبة لأهمية وضرورة الإسراع في تدابير خفض الانبعاثات لمنع سيناريو ارتفاع درجات الحرارة في العالم بحلول نهاية القرن، بواقع درجتين مئويتين) – يدفع القائمين على قضية المناخ، لتوقع تعديل الصين وتبكيرها لتحقيق ذاك الهدف. الرئيس الصيني في خطابه، قال إن بلاده ستحقق ذلك قبل عام 2030، لكنه لم يحدد التاريخ الجديد، وإن كان الاعتقاد هو أن تبلغ الصين هذا الهدف بحلول عام 2025. والسؤال الرابع يتعلق بما إذا كانت الخطة الصينية تشمل استثمارات الصين في إطار مشروعها العالمي «مبادرة الحزام والطريق»؟، ذلك أن الصين تمول تقريبا ربع محطات طاقة الفحم قيد التطوير في بلدان مبادرة الحزام والطريق، بقدرة إنتاجية إجمالية تبلغ 102 جيجاوات. فإذا عوضت الصين محطاتها الكهربائية العاملة بالفحم، بأخرى في دول الحزام، فإن ذلك سيعد حينها تدليساً في الأرقام، وإن كان سينقل الضغط الدولي من الصين إلى هذه الدول ذات الاقتصادات الناشئة، للعمل على تحقيق حياد الكربون. وهناك سؤال آخر يتعلق هذه المرة بما إذا كانت الحكومة الصينية ستُدمج المدن والشركات الصينية في أهداف خطتها لتكون هي الأخرى صفرية صافية كربونياً، على اعتبار أن تعميم تطبيق هذه السياسة على المستوى الوطني، من شأنه أن يحفز الشركات والمدن على إعلان أهدافها الصفرية الصافية كربونياً.

والواقع أن عدداً قليلاً من البلديات والشركات الصينية (أقل من نظيراتها في أوروبا)، كانت ألزمت نفسها في السابق بهدف صافي صفر انبعاثات كربونية. كما أطلق العديد من شركات الطاقة والصناعة الصينية في وقت سابق من هذا العام، مبادرة «الصين الخالية من الكربون».

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"