عادي

نسيان الأبوين لأطفالهما بالمركبات.. جريمة مزدوجة

01:21 صباحا
قراءة 7 دقائق
نسيان الأبوين لأطفالهما بالمركبات

تحقيق: سومية سعد

الإهمال ضرر تصيب نتائجه كل شيء حولنا، ولكن الأكثر ألماً عندما تتعلق الأضرار بفلذات الأكباد، وتطالعنا الصحف بشكل دوري بحوادث مأساوية، منها إصابات أو موت أطفال حُصروا في المركبات بعد أن تركوا فيها معرّضين لأشعة الشمس لساعات، وهي مغلقة، وحينها لا يستطيعون تحمّل درجات الحرارة القاتلة التي قد تصل بهم إلى الوفاة.

وقد طالب متخصصون بسلامة الأطفال باعتبارها مسؤولية تقع على عاتق أفراد الأسرة، حيث يجب عليها ألا تترك أطفالها بعيداً عن أعينها، وطالبوا بعض أولياء الأمور بتوفير متطلبات السلامة العامة وحماية الأبناء من مثل هذه المخاطر، لان نسيان الأطفال في المركبات من قبل ذويهم أكثر من جريمة عادية.

(الخليج) التقت مع عدة أرباب أسر حوصر أطفالهم داخل المركبات فيما لا يمكن أن نسميها ظاهرة مجتمعية، لكنها آخذة في النمو، ومروا بلحظات حرجة في حياتهم، وأجمعوا على ضرورة انتباه الأسر لأبنائها والتأكد من مغادرة المركبات معهم.

يقول أبوعلي حسين: كان لدي شغل مهم وصمم أولادي أن اذهب معهم لشراء ملابس لهم من أحد المراكز التجارية، واندفعت بسرعة لضيق الوقت، وهم خلفي من دون التأكد من أن جميع أطفال معي، خاصة علي الصغير، وعندما دخلت من الباب تذكرت أني تركت مفتاح السيارة في الداخل فرجعت، مهرولاً لأجد أن أبني في الداخل وقد أغلقت السيارة، وقتها بسرعة اتصلت بالشرطة، وكانت أصعب لحظات قضيتها في عمري، إلى أن جاء فريق الإنقاذ وأخرجه في حالة حرجة، ولولا العناية الإلهية وسرعة الإبلاغ لفقدت أبني.

في موقف المستشفى

تقول أم حمزة الجسمي: كانت لحظات حرجة في حياتي عندما ذهبنا لرؤية أخت زوجي في المستشفى، ونزلت متقدمة لأن كان معي علبة شكولاتة كبيرة، وتركت حمزة لأبيه، ثم دخلت، وبعد فترة وجدت «أبو حمزة» بمفرده فسألته فظن أني قد أخذته معي، في هذه اللحظات هرولنا إلى السيارة لنجد الطفل في حالة صعبة، وكانت درجة الحرارة فوق الأربعين، لأن هذا التوقيت كان ظهراً، والحمد لله أننا كنا في موقف المستشفى، ودخلنا بسرعة للطوارئ، وتم عمل الإسعافات له والحمد لله.

مخاطر التسلل

وتحكي أم خالد عبد الحكيم قصته حينما كانت تنظف الحوش، وابنها بجانبها، وفجأة تسلل إلى السيارة من دون أن تراه، وأغلقها عليه وتعرض للمخاطر بداخلها، وهو لا يتعدى 5 أعوام، وكان أفراد فريق الإنقاذ قريبين من المكان جاؤوا بسرعة، وتم إنقاذ الطفل، والحمد لله، لكن تضررت رجله كثيراً، وبعد هذا الموقف أطالب الأسر بأهمية مراقبة الأطفال، وعدم تركهم وحدهم داخل المنزل، والانتباه لكل ما يقومون به من أفعال خاصة لأنهم يتمتعون بحيوية كبيرة وحركة دائمة تستدعي منا كل الانتباه، والحرص، للتدخل في الوقت المناسب لحمايتهم، وتجنيبهم التعرض لأي خطر.

إهمال الأب

أما أبومالك خليل فيقول: إهمالاً مني تركت سيارتي في موقف بجانب البناية من دون أن أتاكد أنه لا يوجد شيء بداخلها، وكانت معي زوجتي، وأطفالي، غادروا جميعاً، وأنا على باب البناية وقف معي صديق لي في العمل، وبعد مرور نحو ساعة ذهبت إلى المنزل لتصرخ زوجتي: أين مالك؟ لأنها تركته هي بدورها معتمدة علي، ولم تنتبه إلى أن الطفل ظل في السيارة، لأنه كان نائماً عند الوصول، وفي هذه اللحظة اكتشفت أنه غير موجود، وعندما ذهبنا وجدناه مغمياً عليه إذ استيقظ، ووجد نفسه وحيداً داخل المركبة في ظلام، وجو خانق.

نشر الوعي

دعاء آباء وأمهات بمعاقبة الأسرة المهملة في حق أطفالها، وعدم التساهل أو التجاوز في حوادث الأطفال التي يكون سببها الإهمال، وضرورة تقديم أولياء الأمور الذين يعرضون حياة أطفالهم للخطر نتيجة الإهمال.

دعت الأم ليلي العسيلي لنشر الوعي بالطرق المختلفة لحماية الأطفال في جميع الأوقات، والأماكن التي يرتادونها، وأن عملية حماية الطفل هي عملية مستمرة، ويشارك فيها جميع مكونات المجتمع من مؤسسات وأفراد.

ويقول محمد عبد الرحمن الملا موظف: إن هذا إهمال جسيم، مهما كانت الظروف، فأول اهتمامات ولي الأمر أسرته، ولا يجب تركهم في السيارة حتى لو كان قاصداً البقالة، وانتباه الآباء وعدم ترك أبنائهم عرضة للاختناق، خصوصاً أن هناك أسراً لا تتذكر أنها نسيت أطفالاً داخل المركبات، إلا بعد مرور وقت طويل يؤدي إلى عدم قدرة الأطفال على فتح السيارات من الداخل، وحين يكتشفون أنهم وحيدون، تصيبهم حالة ذعر، ما يضاعف من سرعة شعورهم بالاختناق، أو ما يعرضهم للإصابة.

الندم لا يجدي

ويقول أبوسيف: هنالك أضرار التي تؤدي إلى ندم الأهل بعد حدوث الكارثة ويتحدثون بلغة «يا ليت ويا ليت»، حين لا ينفع الندم، فلذلك لا بد للأهل من اتباع خطوات الأمان والسلامة لتفادي حدوث الكوارث ونصح بعدم ترك الأطفال بمفردهم داخل المركبات، في جميع الحالات.

وطالب الأسرة بإدخال تطبيق في الهاتف النقال للتذكير أو وضع كاميرات تراقب داخل السيارة وتصدر إنذارات تنبيه بوجود طفل، أو نفس في السيارة.

ودعت روضة العيسي، لمعاقبة إهمال الوالدين لأبنائهم في حالة نسيانهم وتعريض حياتهم للخطر بتركهم في المركبات بمفردهم، وعمل حملات توعية بخطورة ترك الأطفال بمفردهم داخل المركبات، وأن رعاية الأطفال والاهتمام بهم مسؤولية جماعية، وهي من أولويات الآباء والأمهات، إذ يجب عليهم عدم التهاون في مثل هذا الأمر، لتجنب تعرّض الأبناء للحوادث.

الجانب النفسي

تقول الدكتورة ياسمين الخالدي المستشارة الأسرية والتربوية والنفسية، إن رعاية الأطفال والاهتمام بهم مسؤولية اجتماعية، ولذا لا يجب تركهم بمفردهم، لأنهم لا يحسون بحجم المخاطر المحيطة بإبقاء الأطفال في المركبة لوحدهم بسبب النسيان، أو عدم الانتباه على تكرار حوادث نسيان الأمهات لأبنائهن في السيارات المغلقة وتعريضهم لخطر الاختناق والوفاة.

وتضيف: هناك عدة أسباب تؤدي إلى نسيان الأطفال في المركبة منها يتعلق بانشغال الأب في أمور خارجية لا تتعلق بالسيارة والقيادة والركاب، مثل انشغال الذهن في أمور تتعلق بالعمل، أو التفكير في أمور البيت، أو الانشغال بالهاتف، خاصة عند شعور الفرد بالضغط النفسي الناجم عن العمل، والأسرة، والوضع الاقتصادي والاجتماعي، أو السياسي، فهذه الأمور غالباً ما تشغل الذهن وتبعد الفرد عن الواقع لينسى الأمور الأساسية مثل الأبناء.

الجانب القانوني

ويؤكد المستشار القانوني وليد عسكر أنه وفقاً لقانون العقوبات، تنص المادة رقم 350 بالحبس والغرامة، إضافة إلى معاقبتهم وفقاً لقانون حماية الطفل الجديد لدولة الإمارات «وديمة» بالحبس والغرامة، للوالدين أو القائمين على رعاية الطفل الذين لم يتخذوا التدابير اللازمة للمحافظة على حياته وسلامته البدنية والنفسية والعقلية والأخلاقية، وحمايته من الخطر وتندرج وفقاً لقانون العقوبات الإماراتي وقانون حماية الطفل تحت بند الإهمال الذي لا تقل عقوبته عن الحبس 10 سنوات إذا توفي الطفل، إضافة إلى الغرامة المالية.

لا يستشعرون المخاطر

وطالبت همسة يونس المدربة التربوية، بعدم ترك الأبناء مطلقاً داخل السيارة، والأسر التي تنسى لابد من ابتكار وسائل تذكرها أن أبناءها معها لعدم النسيان، فنحن نسمع عن حوادث نسيان الوالدين لأبنائهما في السيارة ولساعات طويلة، وفي كثير من الحالات ينتهي الأمر بموت الأطفال، خاصة الرضع منهم.

وقالت إن الأطفال عادة لا يستشعرون المخاطر التي تحيط بهم، نتيجة قلّة إدراكهم، وبالتالي يتوجّب على أولياء الأمور حماية أطفالهم من جميع أنواع المخاطر، ويعتبر دور الأسرة حيوياً في هذا الإطار.

كما أن ترك الأطفال وحدهم داخل المركبات من دون تشغيل، خصوصاً خلال الصيف، يعد أمراً في غاية الخطورة، لأن الحرارة العالية تعمل على زيادة ضغط الأوكسجين داخل المقصورة، ما يسهم في تبخر الغازات السامة من المقاعد والمحتويات الداخلية للسيارة المصنوعة من البلاستيك والجلد والإسفنج، وبالتالي اختناق الأطفال.

فشل الكبار في السيطرة

وتقول البروفيسور بشرى أحمد العكايشي أستاذ ورئيس قسم التربية في جامعة الشارقة: ينطوي مفهوم الإهمال الذي يتعرض له البعض من الأطفال على فشل الكبار وأولياء الأمور في توفير السلامة البدنية، أو النفسية، أو العقلية لهمن أو يكون في صورة عدم تلبية الاحتياجات التي توفر للأطفال السلامة بكل أنواعها، وبشكل واضح هي غياب دور الرقابة الأسرية، وأخذ الحيطة والحذر من نسيان الأطفال داخل المركبات، واتخاذ احتياطات السلامة الكفيلة بالحد من مثل هذه الحوادث، وأن كثيراً من هذه الحوادث يحدث بسبب تراخي بعض أولياء الأمور في توفير متطلبات السلامة العامة، وحماية الأبناء.

وتقول الدكتورة علياء حمدي طبيبة أطفال: من المخاطر الصحية التي تواجه الأطفال، في حال تركوا بمفردهم داخل المركبات، سرعة إصابتهم بارتفاع في درجات الحرارة، فيجد الطفل صعوبة في إنقاذ نفسه من الاختناق نظراً لصغر سنه، أو عدم معرفته بكيفية الخروج.

شرطة دبي تنقذ 106 أطفال

أكد المقدم عبد الله بيشوه رئيس قسم الإنقاذ البري في شرطة دبي أن الشرطة أنقذت 106 أطفال حوصروا في أماكن مختلفة خلال ال7 أشهر الماضية، منها 29 حادثاً تتعلق بأطفال علقوا في مركبات ذويهم، و72 حادثاً تتعلق بفتح أبواب المنازل، و5 حوادث فتح أبواب، إضافة إلى التدخل في الحوادث في الوقت المناسب.

وأوضح أن معظم الحوادث التي تقع تكون نتيجة سوء تقدير من الوالدين، ينجم عنها إهمال غير مقصود، قد يؤدي إلى حالة اختناق الأبناء داخل السيارة، بسبب حرارة الجو التي تنتج غاز ثاني أوكسيد الكربون داخل السيارة، إضافة إلى تسرب بعض الغازات السامة من المقاعد.

وقال إن معظم حالات نسيان الأطفال داخل المركبات تكون بسبب اندفاع الآباء إلى الدخول إلى وجهاتهم كالبيوت، أو مراكز التسوق من دون التأكد من أن جميع أطفالهم معهم، وربما ينسون المفتاح في السيارة، فتغلق على الأطفال، وإن الإشكالية في هذه الحوادث هي عدم قدرة الأطفال على فتح السيارات من الداخل، وحين يكتشفون أنهم وحيدون، تصيبهم حالة ذعر، ما يضاعف من سرعة شعورهم بالاختناق، أو يعرضهم للإصابة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"