أخيراً بايدن رئيساً لأمريكا

23:03 مساء
قراءة 3 دقائق

عاطف الغمري

بعد طول انتظار وتكهنات متضاربة حول من سيفوز، فإن جو بايدن قد فاز وأصبح رئيساً، ولعل انتخابات الرئاسة الأمريكية التي جرت في الثالث من نوفمبر الحالي، تعد أغرب انتخابات رئاسية في التاريخ الأمريكي، فبينما كان اختيار الناخبين يقوم على البرنامج الانتخابي لكل مرشح، فإن السباق هذه المرة يدور حول شخصية المرشح، وليس حول قضايا حقيقية، وحيث إن كلاً منهما، سواء في المناظرات أو في التصريحات العلنية، يُضَمِّن خطابه هجوماً على شخصية الآخر، ومحاولة تشويهه، وإذا تحدث أيهما عن السياسات، فإنها تأتى في سياق هذا التنابز بينهما، وبشكل عرضي.

والمعتاد أن الانتخابات يدخلها متنافسان جمهوري وديمقراطي، وأياً كانت الاختلافات بينهما في الرؤية السياسية لكل منهما، يظل كلاهما يحظى برضا وقبول مما يعرف في أمريكا بالمؤسسة Establishment، وهو تعبير يتخذ في حالة اختيار الرئيس. والمؤسسة في حالة التنافس الانتخابي الرئاسي، هي تعبير عن دولة أمريكا العميقة American Deep State، والتي تتشكل من قوى هائلة النفوذ يجمعها تحالف، وليس بالضرورة أن يكون أفرادها ورموزها ظاهرين في مقدمة المشهد.

   لكن التنافس خرج هذه المرة عن سيطرة هذه المؤسسة ذات الخصوصية، منذ ترشح ترامب، واضطرار الحزب الجمهوري لدعمه، رغم أنه ليس من الحزب، عندما رأى قفزاته في السباق الانتخابي، واتساع شعبيته، ووجد الحزب أن ترامب يمكن أن يضمن للجمهوريين الاستحواذ على البيت الأبيض.

   ثم جرى التنافس، ثم التصويت في الانتخابات في ظروف، تفتقد فيها أمريكا هذه المرة ما يسمى  التوافق، سواء داخل النخبة، أو في صفوف الرأي العام. رغم ما عرف من أن هذا التوافق كان له مساران.. أولهما أن المواطن الأمريكي من الحزبين كان يتقبل المرشح الفائز، أملاً في أن ينفذ ما وعد به من إنجاز في القضايا التي تهم المواطن. والمسار الثاني أن التوافق سواء بين النخبة أو من المواطن العادي، كان هو السند والداعم للرئيس ساكن البيت الأبيض، ودعم سياساته، خاصة في مجال السياسة الخارجية.

   يحدث هذا بينما الشعب الأمريكي منقسم، فالاختيار بين المرشحين مقيد من وجهة نظر الناخب، بأن أياً منهما لا يمثل الحلم الأمريكي، الذي تضاءلت فرص الفوز به بشكل كبير. 

   بالإضافة إلى ذلك، كله، فإن حالة الغضب موجودة على المستويين الجمهوري والديمقراطي، لأسباب تراكمت في السنوات العشر الماضية، منها ما أصبح يطلق عليه هناك تعبير Inequality أي غياب أو انعدام المساواة، ومن أبرز مظاهرها اتساع الفجوة بين الأكثر ثراء وبين الطبقتين الوسطى والفقيرة، ما أدى إلى تدهور أوضاع كثير من الأمريكيين، وحيث يوجد 40 مليون أمريكي على خط الفقر. ولعل تلك الظاهرة هي التي ساعدت على بلورة شكل التيار الذي أعطى أصواته لترامب في 2016، ثم ظل على نفس قناعاته في 2020. وهذا التيار هو الذي وصفه محللون أمريكيون كبار بائتلاف الغاضبين والمحبطين، والذي جاء معبراً عن موجات تمرد في المجتمع. وهذا التمرد لم يكن وليد هذه اللحظة، لكنه بدأ قبل ثلاثين عاماً، متشكلاً في صورة تململ لكنه بلا حراك. 

هنا، أذكر واقعة شهدتها أثناء عملي في الولايات المتحدة، عندما وصلتني بطاقة تحمل نتيجة استطلاع شاركت فيه عدة مراكز متخصصة، وكان يحمل سؤالاً واحداً موجهاً إلى المواطن الأمريكي العادي، هو: هل لك نفوذ أو تأثير على صنع القرار السياسي في بلدك أمريكا؟

وجاءت النتيجة بشكل يكاد يكون جماعياً، بالقول: لا.. ليس لنا أي نفوذ أو تأثير على صنع السياسات في بلدنا، فهناك قوى أخرى مؤثرة، منها قوى الضغط وجماعات المصالح؟

  ظل من الصعب التنبؤ بنتائج الانتخابات الأخيرة، ونتيجة لتصاعد التشكيك في عمليات فرز بطاقات التصويت المرسلة بالبريد خاصة من جانب حملة ترامب، ومطالبات بإعادة الفرز، راحت التوقعات ترجح تأخير إعلان النتائج عن الموعد الذي كان مقرراً.

  في هذه الأجواء، ورغم الأسباب التي جعلت البعض يتوقع فوز ترامب، فإن تداعيات الأحداث لم تكن لصالحه، على الأقل في الشهور السبعة الأخيرة. وكان أبرزها فشله في معالجة وباء كورونا، بالإضافة إلى ما أعلنته استطلاعات الرأي العام، عن مخاوف من تراجع مكانة أمريكا في الخارج وضعف علاقاتها بحلفائها، وهو ما كان ترامب مسؤولاً عنه، ولذلك خسر ترامب الأصوات التي كان يتوقعها في الولايات المتأرجحة، والتي حسمت النتيجة لصالح بايدن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"